كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

يُنافي الشكَّ، وإن لم يكن عن أدلة تفصيلية كإيمان كثير من الصالحين والعامة، فكيف مع حصوله من غير خوضٍ في الكلام؟ وهذا إذا لم يُضمِرُوا (¬1) نقيض الإيمان، فإنَّ ذلك هو النفاق الذي هو شرُّ من الشرك. نعوذ بالله منه.
وإمَّا قولُه في آخر الآيات: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17]، فإنه لم يُطلق ذلك، بل شرطه (¬2) بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [الحجرات: 17]، وهذا الشرط لم نعلم نحن حصوله، بل أول الآية نص على عدمه، فكأنه لما نفى ما ادَّعوا من الإيمان: قال وعلى تقدير صدقكم في دعواكم، فالمنَّة لله تعالى في ذلك، فيكون في المعنى كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [البقرة: 93]، فلم يلزم أن لهم إيماناً مع قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} (¬3)، كذلك لا يلزم أن لأولئك الأعراب إيماناً مع قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين}.
وعلى تسليم أنه إيمانٌ، فيحتمل أن يكون في غيرهم، وأن يكون فيهم، والمنفيُّ عنهم الإيمان الكامل، والمثبت لهم القليل منه، فقد صح اختلافه، وتقدير أقلِّه بمثقال حبةٍ من خردل من إيمان، يوضحه أن القليل منه لو انتفى، لكانوا في حكم المنافقين، وهو أحد القولين، والأول قول الجمهور ذكره ابن تيمية، ويوضِّحه قوله تعالى بعد ذكرهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا -إلى قوله- أُولَئِكَ هُمُ
¬__________
(¬1) تحرف في (ب) إلى: لم يضموا.
(¬2) في (ب): شرط.
(¬3) من قوله: " فلم يلزم " إلى هنا ساقط من (ب).

الصفحة 46