كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

والسُّنَّة والعُرْفِ واللُّغة تسميتُه علماً ومعرفة، ولذلك قال الله في سورة الأنعام بعد أن حكى كثيراً من ذلك: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 144]، ويُوضِّحُهُ أن الله تعالى قَصَرَهُم على اتباع الظن، ثم قصرهم على الخرص (¬1)، فلو أراد الظن الراجح، لتناقض، لأن المقصور على الخرص، وهو محضُ الكَذِبِ لا يكونُ مقصورا على العمل بالراجح بالضرورة.
الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم، وهو ظن المشركين لصحة شركهم بدليل قوله: {لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]، وهذا (¬2) يدلُّ على أنه ظنُّ غير الحق، فكيف يُحتج بذلك على قبحِ العمل بظنِّ الحقِّ الصادر عن الأمارة الصحيحة الموجبة للرُّجحان المقبول في فِطَرِ العُقول الخالي عن المعارضة!.
الوجه الثالث: أنها من العموم المخصوص بمن ورد فيه بدليل قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُون} [يس: 21] وقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيّ} [الأعراف: 157]، وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} [الأنعام: 90].
فإن قلت: هذا تجويزٌ للجهل بالله تعالى.
قلت: كلاَّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً، وذلك صحيحٌ
وقد أقرَّ به الزمخشريُّ في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ
¬__________
(¬1) في (ش): الخوض، وهو تحريف.
(¬2) في (ش): وهو.

الصفحة 56