كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)
وهذا الوجه يصلُحُ أن يكون جواباً مستقلاً لكني (¬1) تركتُ إفراده، إذ كان المعلوم أن من لم يمخض (¬2) في علوم الجدل والمنطق من المسلمين لا يكادُ يوثِّر في كلامهم مع الفلاسفة، وأهل الشُّبَهِ الدقيقة، وإن كان صحيحاً في نفسه نافعاً لمن نظر في معناه دون تراكيبه، فإنه لا يليق بذله إلا حيث يظن نفعه، ومن كان لا ينتفع به، فالصيانة له بالإعراض عن المعجبين بالخذلان والإصرار أولى ولا سيما إذا كان من كتاب الله، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السفر بكتاب الله إلى أرض العدُوِّ (¬3)، وشرط السلف في عهود أهل الذمة أن لا يتعلَّموا القرآن.
وفي " البخاري " (¬4) عن علي عليه السلام: " لا تُحدثوا الناس بما لا تحتمِلُهُ عقولُهم، أتُحبون أن يُكذبَ الله ورسوله؟ فكَرِهَ عليه السلام من العلم ما يعرف أنه يكون سبباً في التكذيب، وإن كان حقاً في نفسه (¬5)، وقد قال الله (¬6) تعالى في هذا المعنى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم} [الأنعام: 108].
¬__________
(¬1) في (ش): لكن.
(¬2) في (ش): يخفي.
(¬3) أخرج مالك في " الموطأ " 2/ 446 من حديث عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وقال مالك: أرى ذلك مخافة أن يناله العدو.
وأخرجه من طريق مالك: البخاري (2990)، في الجهاد، باب: كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، ومسلم (1869) في الإمارة، باب: النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم.
(¬4) هو في " صحيحه " (127) في العلم: باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا.
(¬5) ساقطة من (ش).
(¬6) ساقطة من (أ).