كتاب طبقات علماء الحديث (اسم الجزء: 4)

البُصَراء، بصيرًا بالعربية واللُّغة والشِّعْر والأنساب، صنَّف في ذلك كلِّه، ورَحَل النَّاس إليه، وعوَّلوا في النَّقْل عليه، وتصدَّر بجامع قُرْطُبة، وأخذ عنه الأعلام (¬1). قال ابن بَشْكُوال: وأخبرنا عنه غيرُ واحدٍ، ووصفوه بالجلالة والحِفْظ والنَّبَاهة والتّواضع والصِّيانة (¬2).
وقال السُّهَيلي: حدَّثني أبو بكر بن طاهر عن أبي علي الغَسَّاني أَنَّ أبا عمر بن عبد البَرّ قال له: أمانةٌ الله في عُنُقك متى عَثَرْتَ على اسم من أسماء الصّحابة لم أذكره [إلا ألحقته] (¬3) في كتابي. يعني "الاستيعاب".
وقال ابن بَشْكُوال: سمِعْتُ الحسن بن مغيث يقول: كان أبو علي من أكمل مَنْ رأيتُ عِلْمًا بالحديث ومعرفة بطُرُقه، وحِفْظًا لرجاله، عانى كُتُب اللُّغة، وأكثر من رواية الأشعار، وجمع من سَعَة الرِّواية ما لم يجمعْه أحد أدركناه، وصَحَّح من الكُتُب ما لم يصححه غيرُه من الحُفَّاظ، فكُتُبُه حُجَّة بالغة، جمع كتابًا في رجال الصَّحيحين سَمَّاه "تقييد المهمل وتمييز المشكل" وهو كِتابٌ حَسَن مفيد أخذ النَّاس عنه (¬4).
توفِّي الأستاذ أبو علي في ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خَلَتْ من شَعْبان سنةَ ثمانٍ وتسعين وأربع مئة (¬5).
¬__________
(¬1) "الصلة": 1/ 143.
(¬2) المصدر السابق.
(¬3) ما بين حاصرتين مستدرك على هامش الأصل.
(¬4) "الصلة": 1/ 143، وانظر حاشية الأستاذ شعيب الأرنؤوط رقم (1) ص (149) من كتاب "سير أعلام النبلاء": الجزء (19).
(¬5) أورد اليافعي وفاته سنة 427، وسنة 498 هـ، وفي "الديباج المذهب": 105 "توفي سنة تسع وعشرين وأربع مئة"، وهو وهم. وفي "النجوم الزاهرة": 5/ 192 أورد وفاته سنة (498 هـ) وقال "عن إحدى وتسعين سنة"، وهي مصحفة عن سبعين.

الصفحة 8