كتاب فوات الوفيات (اسم الجزء: 4)

أعظم أخفافا كرائم ترتمي ... إلى الفاتح الختام أكرم من مشى
محمد المبعوث بالحق والذي ... لموسى وعيسى في الكتابين أدهشا
وحاز من الرهبان سلمان وصفه ... فطاف عليه في البلاد وفتشا
وفاز بما أبدى بحيرا وخاب من ... بظلم على كتمان أوصافه ارتشى
فبورك حملا واستوى الخير مرضعا ... وباء بأنواع الكرامة مذ نشا
ولاحت أمارات النبوة عنده ... لذي نظر ما شاب أوصافه العشا
تبشبش وجه الأرض مذ حلها كما ... بطلعته وجه السماء تبشبشا
حباه بما يعلو من الوصف ربه ... وعلمه من أشرف العلم ما يشا
وجاء بحق مستبين نفى به ... زخارف إفك كان في الناس قد فشا
وجاهد حتى شاد بالسيف رافعا ... من الدين ما أوهى الضلال وشوشا
حوى الحسن والإحسان والحلم والتقى ... فلم يك صخابا (1) ولا متفحشا
ولا عباساً فظاً غليظاً فلم يلم ... حبوشاً على زفن ولا عاب أنجشا (2)
حيي جواد زاهد متوكل ... فما اعتد فضلاً من غداء إلى عشا
شجاع إذا ما الحرب مدت رواقها ... وأسبل فيها النقع ليلا فأغطشا
لا كربها حتى تبين أنه ... لدى الباس منهم كان أقوى وأبطشا
له القمر انشق امتثالا لأمره ... وحيته جهراً ظبية فارقت رشا
شفاعته للناس عن طول حبسهم ... كما من لظى ينجي بها من تمحشا (3)
وفي الحشر يسقي الناس من حوضه الروي ... إذا كان كرب الحشر للناس معطشا
وإني لأرجوه إذا اغتالني الردى ... وبؤئت في البيداء قبراً منبشا
وفي الموقف الصعب الشديد الذي به ... تخال الجبال الصم عهنا منفشا
__________
(1) ص: سخابا.
(2) الزفن: الرقص، وقد شهد الرسول الحبش يزفنون فلم ينههم؛ وأنجشة كان حادياً للإبل يتغنى بحداثه، وهو الذي قال له الرسول: ((رفقاً بالقوارير)) في حجة الوداع.
(3) تمحش: تحرق.

الصفحة 312