كتاب فوات الوفيات (اسم الجزء: 4)

سمع أصحاب ابن طبرزد والكندي وابن الحرستاني وحنبل، وسمع الكتب الأمهات الستة والمعجم الكبير تاريخ الخطيب والنسب لابن الزبير و " السيرة " و " الموطأ " من طرق، والزهد والمستخرج على مسلم و " الحلية " و " السنن " للبيهقي و " دلائل النبوة " وأشياء يطول ذكرها. ومن الأجزاء ألوفاً، ومشيخته نحو الألف.
حفظ القرآن الكريم وعني باللغة وبرع فيها وأتقن النحو والتصريف. ولما ولي دار الحديث الأشرفي تمذهب للشافعي وأشهد عليه بذلك. وكان فيه حياء وسكينة وحلم واحتمال وقناعة واطراح تكلف وترك التجمل والتودد والانجماع عن الناس وقلة الكلام إلا أنه يسأل فيجيب ويجيد، وكلما طالت مجالسة الطالب له ظهر له فضله. وكان لا يتكثر بفضائله، كثير السكوت لا يغتاب أحداً. وكان معتدل القامة مشرباً بحمرة قوي التركيب متع بحواسه وذهنه. وكان قنوعاً غير متأنق في ملبس أو مأكل، يصعد إلى الصالحية وغيرها ماشياً وهو في عشر التسعين. وكان يستحم بالماء البارد في الشتاء. وكان قد امتحن بالمطالب (1) وتتبعها فيعثر به من الشياطين جماعة فيأكلون ما معه، ولا يزال في فقر لأجل ذلك.
وأما معرفة الرجال فإليه تشد الرحال، فإنه (2) كان الغاية وحامل الراية. ولما ولي دار الحديث قال الشيخ تقي الدين: لم يل (3) هذه المدرسة من حين بنائها وإلى الآن أحق منه بشرط الواقف، وقد وليها جماعة كبار مثل ابن الصلاح ومحيي الدين النواوي وابن الزبيدي، لأن الواقف قال: فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الدراية؛ قال الشيخ شمس الدين: لم أر أحفظ منه، ولم ير (4) هو مثل نفسه. قال الشيخ شمس الدين:
__________
(1) المطالب: الأموال الدفينة من كنوز أو ركاز.
(2) ص: فإن.
(3) ص: يلي.
(4) ص: يرى.

الصفحة 354