كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 4)

فخرية بنت عثمان
أم يوسف البصروية، الحاجة الصوامة القوامة العابدة الزاهدة، زاهدة عصرها، وفريدة دهرها.
رفضت الدنيا، ولم ترض إلا بالمنزلة العليا، خرجت عن أهلها ومالها، وتقوتت في القوت ببعض حلالها، وانزوت بحرم القدس الشريف، وتبرأت عن التالد والطريف، وقنعت من العيش الرغيد بكوز ماء ورغيف.
واشتهر أمرها، وعرف الناس خبرها، وأعرضت عن الدنيا الفانيه، وأصبحت وهي لرابعة ثانيه. وجرب الناس لها أحوالاً، وصدقوا منها مقاماً ومقالاً. وكان لها كرامات، وعن وجوه الدنيا انصرافات وانصرامات. وكانت تتمنى أن تموت بمكة، وتدفن إلى جانب قبر خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها. فسمع الله لها هذه الأمنية واستجاب منها.
وتوفيت رحمها الله تعالى في مستهل صفر سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة عن ست وثمانين سنة.
حكى لي أخوها الأمير صفي الدين أبو القاسم البصروي، قال: حمل إليها أخي نجم الدين ستة عشر ألف درهم مما يخصها، فتصدقت بالجميع في جلسة واحدة، ولم تترك منها درهماً واحداً.
كانت تستقي ماء الوضوء بنفسها ولا تستعين بأحد. ولما حجت في سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، قالت عند منصرف الحاج للذي قد توجه يخدمها من جهة أخيها:

الصفحة 34