كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

مِنْهَا، فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْيَدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا وَادَّعَى زَوَالَهَا. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيُّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِيَدِ فُلَانٍ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَلَوْ قَالَ: مَلَكْتُهَا مِنْ زِيدٍ، فَهُوَ إِقْرَارٌ، بِمِلْكِهَا لِزَيْدٍ، وَدَعْوَى انْتِقَالِهَا مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ زَيْدٌ، لَزِمَهُ رَدُّهَا إِلَيهِ.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: مَلَكْتُهَا عَلَى يَدِ زَيْدٍ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: كَانَ زَيْدٌ وَكِيلًا، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّابِعَةُ: قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِقْرَارٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وَإِنْ قَالَ: أَعْطِي غَدًا، أَوِ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ، أَوِ اقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ، أَوْ لَا تُدِمِ الْمُطَالَبَةَ، أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى، أَوْ وَاللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ إِقْرَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَمُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَالْمَيْلُ إِلَى مُوَافَقَتِهِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ. وَمِثْلُهُ: أَسْرِجْ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ مَتَى تَقْضِي حَقِّي؟ فَقَالَ: غَدًا.
الثَّامِنَةُ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: غَصَبْتَ ثَوْبِي. فَقَالَ: مَا غَصَبْتُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَكَ وَلَا بَعْدَكَ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ: مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: تَلْزَمُ الْمِائَةُ. وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى مَالًا، فَقِيلَ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِلتَّعْلِيقِ، وَقِيلَ: إِقْرَارٌ، وَذَلِكَ بَيَانٌ لِوَقْتِ الْأَدَاءِ.
وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُسْتَفْسَرُ، فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ، صَحَّ، وَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّعْلِيقِ لَغَا.

الصفحة 368