كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

الْعَاشِرَةُ: إِقْرَارُ أَهْلِ كُلِّ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ وَغَيْرِ لُغَتِهِمْ إِذَا عَرَفُوهَا صَحِيحٌ. وَلَوْ أَقَرَّ عَجَمِيٌّ بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، بَلْ لُقِّنْتُ فَتَلَقَّنْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ أَقَرَّ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْإِقْرَارِ صَغِيرًا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْتُ مَجْنُونًا وَقَدْ عُهِدَ لَهُ جُنُونٌ. وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا، وَهُنَاكَ أَمَارَةُ الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ، أَوْ مُوَكَّلٍ عَلَيهِ فَكَذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَالْأَمَارَةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الْحَبْسُ وَالتَّوْكِيلُ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي حَبْسِ زَيْدٍ، فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ لِعَمْرٍو.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ، وَتَعَرَّضُوا لِبُلُوغِهِ، وَصِحَّةِ عَقْلِهِ، وَاخْتِيَارِهِ، فَادَّعَى الْمُقِرُّ خِلَافَهُ لَمْ يُقْبَلْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الشُّهُودِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّعَرُّضُ لِلْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَالطَّوَاعِيَةِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرُّشْدِ. وَيُكْتَفَى بِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ. وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِحُرِّيَّةِ مَجْهُولِ الْحُرِّيَّةِ. وَخَرَجَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ التَّعَرُّضِ لِسَائِرِ الشُّرُوطِ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَا يُكْتَبُ فِي الْوَثَائِقِ أَنَّهُ أَقَرَّ طَائِعًا فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَبُلُوغِهِ احْتِيَاطٌ. وَلَوْ تَقَيَّدَتْ شَهَادَةُ الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ طَائِعًا، وَأَقَامَ الشُّهُودُ عَلَيهِ بَيِّنَةً بِكَوْنِهِ كَانَ مُكْرَهًا، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ.

الصفحة 370