كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

إِحْدَاهَا: قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ وَقَعَ قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، مَفْصُولًا عَنْ قَوْلِهِ: لَهُ أَلْفٌ، لَمْ يُقْبَلْ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ. وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا، فَقَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ، فَيَعْتَبِرُ جُمْلَةً وَلَا يُبَعَّضُ، فَعَلَى هَذَا لِلْمُقَرِّ لَهُ تَحْلِيفُهُ إِنْ كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ. وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: لَا يُقْبَلُ، وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، وَيُبَعَّضُ إِقْرَارُهُ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَيُلْغَى آخِرُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ، فَأَشْبَهَ قَوْلُهُ: أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَظَنَنْتُهُ يَلْزَمُنِي، فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يَنْتَظِمُ لَفْظُهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنَّهُ يَبْطُلُ حُكْمُهُ شَرْعًا، بِأَنْ أَضَافَ الْمُقَرُّ بِهِ إِلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ، كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَخِيَارٍ مَجْهُولٍ. أَوْ قَالَ: تَكَفَّلْتُ بِبَدَنِ فُلَانٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ ضَمِنْتُ لِفُلَانٍ كَذَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، فَيُعْذَرَ الْجَاهِلُ دُونَ الْعَالِمِ، لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إِلَيهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْحَابِ. أَمَّا إِذَا قَدَّمَ الْخَمْرَ فَقَالَ: لَهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ عَلَيَّ الْأَلْفُ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، إِذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ الْأَلْفَ، فَطَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ. فَفِي قَوْلٍ: يُقْبَلُ وَلَا يُطَالَبُ بِالْأَلْفِ إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ. وَفِي قَوْلٍ: يُؤَاخَذُ بِأَوَّلِ الْإِقْرَارِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: الْقَطْعُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ آخِرًا هُنَا لَا يَرْفَعُ الْأَوَّلَ، بِخِلَافِ ثَمَنِ الْخَمْرِ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا عَنْهُ: لَمْ أَقْبِضْ ذَلِكَ الْعَبْدَ، قُبِلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِالْعَبْدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ قَبْضِهِ. وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ، ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا: هُوَ ثَمَنُ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، لَمْ يُقْبَلْ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا، بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ.

الصفحة 396