كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

السَّابِعَةُ: قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ، فَلَهُ حَالَانِ.
الْأَوَّلُ: أَنْ يَذْكُرَهُ مُنْفَصِلًا، بِأَنْ أَتَى بِأَلْفٍ بَعْدَ إِقْرَارِهِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هُوَ وَدِيعَةٌ وَلِي عَلَيْكَ أَلْفٌ آخَرُ دَيْنًا، وَهُوَ الَّذِي أَرَدْتُهُ بِإِقْرَارِكَ، فَهَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوِ الْمُقِرِّ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي وَقِيلَ بِهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَيَّ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: عِنْدِي، وَيُحْتَمَلُ: إِنِّي تَعَدَّيْتُ فِيهَا فَصَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيَّ، أَوْ عَلَيَّ حِفْظُهَا. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِي، أَوْ دَيْنًا، ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَفُسِّرَ كَمَا ذَكَرْنَا، لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: فِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ.
ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ: إِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْوَدِيعَةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: الْأَلْفُ مَضْمُونَةٌ، وَلَيْسَ بِأَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَيَّ، تَتَضَمَّنُ الِالْتِزَامَ. فَإِنِ ادَّعَى تَلَفَ الْأَلْفِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَإِنِ ادَّعَى رَدَّهُ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ الْأَمِينُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ، مُشْكِلٌ دَلِيلًا وَنَقْلًا. أَمَّا الدَّلِيلُ، فَلِأَنَّ لَفْظَةَ «عَلَيَّ» ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَصِيرُهَا مَضْمُونَةً لِتَعَدِّيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: وُجُوبُ حِفْظِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: عِنْدِي، كَمَا سَبَقَ، وَهَذَانِ لَا يُنَافِيَانِ الْأَمَانَةَ. وَأَمَّا النَّقْلُ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ، أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى تَلَفَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، صُدِّقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْبَابِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا، فَيَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً، فَيُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَلَى قَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ: أَلْفٌ قَضَيْتُهُ. وَإِذَا قَبِلْنَا فَأَتَى بِأَلْفٍ، وَقَالَ: هُوَ هَذَا، قَنِعَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ، وَادَّعَى التَّلَفَ أَوِ الرَّدَّ، قُبِلَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَهُ مَعِي أَوْ عِنْدِي أَلْفٌ، فَهُوَ مُشْعِرٌ بِالْأَمَانَةِ، فَيُصَدَّقُ

الصفحة 399