كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ كَانَ وَدِيعَةً، وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارِبَةً دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً دَيْنًا، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، نَصَّ عَلَيهِ. وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إِلَيَّ مُضَارَبَةً أَوْ وَدِيعَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَمَانَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، هَذَا إِذَا فُسِّرَ مُنْفَصِلًا. فَإِنْ فَسَّرَهُ مُتَّصِلًا، فَفِيهِ قَوْلَا تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ عَارِيَّةً، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيهِ، صَحَّحْنَا إِعَارَةَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَفْسَدْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ. وَلَوْ قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ أَلْفًا، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ، وَادَّعَى تَلَفَهَا فِي يَدِهِ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْهُ أَلْفًا. وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي «أَخَذْتُ» : لَوِ ادَّعَى الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَنَّهُ غَصَبَهُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي الْغَصْبِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: دُفِعَ إِلَيَّ.
الثَّامِنَةُ: قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ عَارِيَّةً، فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْإِعَارَةِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ. وَقَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : قَوْلُهُ «لَكَ» إِقْرَارٌ بِالْمِلْكِ، فَذِكْرُ الْعَارِيَّةِ بَعْدَهُ يُنَافِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْ تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ هِبَةَ عَارِيَّةٍ بِإِضَافَةِ الْهِبَةِ إِلَى الْعَارِيَّةِ، أَوْ هِبَةَ سُكْنَى، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لَكَ عَارِيَّةٌ، بِلَا فَرْقٍ.
التَّاسِعَةُ: الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَفِي «الشَّامِلِ» : فِيهِ خِلَافٌ إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَقَالَ: أَقَبَضْتَنِي. وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُهُ وَخَرَجْتُ إِلَيهِ مِنْهُ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَهُ وَمَلَكَهَا، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّهْنِ إِذَا قَالَ: رَهَنْتُ وَأَقْبَضْتُ ثُمَّ عَادَ فَأَنْكَرَ.

الصفحة 400