كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 4)

كَقَوْلِهِ: أَلْفٌ إِلَّا شَيْئًا، فَيُبِيِّنُ جِنْسَ الْأَلْفِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُفَسِّرُ الشَّيْءَ بِمَا لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَلْفَ الَّذِي بَيَّنَهُ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إِلَّا شَيْئًا، يُفَسِّرُ الشَّيْءَ بِمَا لَا يَسْتَغْرِقُ الْعَشَرَةَ.
وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ إِلَّا دِرْهَمًا، يُفَسِّرُ الشَّيْءَ بِمَا يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ وَإِنْ قَلَّ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَلْفٌ إِلَّا دِرْهَمًا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ دَرَاهِمَ. وَمَهْمَا بَطَلَ التَّفْسِيرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَفِي بُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَجْهَانِ.
وَإِنِ اتَّفَقَ لَفْظُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ إِلَّا شَيْئًا، أَوْ: قَالَ: مَالٌ إِلَّا مَالًا، حَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ، كَقَوْلِهِ: عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً.
وَالثَّانِي: لَا، لِوُقُوعِهِ [عَلَى] الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى أَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ، وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى أَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَفِي هَذَا التَّرَدُّدِ غَفْلَةٌ، لِأَنَّا إِنْ أَلْغَيْنَا الِاسْتِثْنَاءَ، اكْتَفَيْنَا بِأَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، أَلْزَمْنَاهُ أَيْضًا أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ، فَيَتَّفِقُ الْوَجْهَانِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حَاصِلُ الْجَوَابِ، لَا يَخْتَلِفُ، لَكِنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّا إِنْ أَبْطَلْنَا، طَالَبْنَاهُ بِتَفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ. وَإِنْ صَحَّحْنَا، طَالَبْنَاهُ بِتَفْسِيرِهِمَا، وَلَهُ آثَارُ الِامْتِنَاعِ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَكَوْنُ التَّفْسِيرِ الثَّانِي غَيْرَ صَالِحٍ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فَرْعٌ
الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمُعَيَّنِ صَحِيحٌ، كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذَا الْقَمِيصُ إِلَّا كُمَّهُ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ إِلَّا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ إِلَّا هَذِهِ الشَّاةَ، أَوْ هَذَا الْخَاتَمُ إِلَّا هَذَا الْفَصَّ، وَنَظَائِرُهُ. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُعْتَادَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمُطْلَقِ لَا مِنَ الْمُعَيَّنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيهِ التَّفْرِيعُ. وَلَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لِفُلَانٍ إِلَّا وَاحِدًا، صَحَّ وَرُجِعَ

الصفحة 408