كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

«هو اسم لثلاثة معان، هو الذى لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن عن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات من الله على هتك أستار محارم الله» (¬1)، وهو يذكر الكرامات ولعله لم يكن يريد معناها الدقيق الذى عرف للكلمة فيما بعد وأن الله يجرى على أيدى الأولياء ما يشبه معجزات الأنبياء. وكان يكثر من الحديث عن محبة الله منشدا:
من لم يبت والحبّ حشو فؤاده … لم يدر كيف تفتّت الأكباد
ويبدو أنه كان يأخذ نفسه بمجاهدات زهدية وتقشفية عنيفة.
وإذا كان ذو النون هو الذى أدخل فى التصوف بقوة النزعة نحو المعرفة الإلهية، فإن أبا يزيد طيفور (¬2) بن عيسى البسطامى المتوفى سنة 261 هو الذى أدخل فيه-على ما يظهر-فكرة الفناء فى الذات العلية، وقد أثبت له نيكلسون كثيرا من الأقوال من مثل قوله: «للخلق أحوال ولا حال للعارف لأنه محيت رسومه وفنيت هويّته بهويّة غيره، وغيبّت آثاره بآثار غيره»، وقوله: «خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح منى فىّ: يا من أنت أنا! فقد تحققت بمقام الفناء فى الله». وروى من أقواله التى تنعكس عليها أفكار وحدة الوجود قوله: «سبحانى ما أعظم شانى» وقوله: «خرجت من بايزيديّتى كما تخرج الحية من جلدها، ونظرت فإذا العاشق والمعشوق والعشق واحد، لأن الكل واحد فى عالم التوحيد». ويمكن أن يردّ هذان القولان وما ساقه نيكلسون من أقوال له أخرى إلى فكرة الفناء. ومما نسبوه إليه أيضا قصة معراجه إلى السماء وقد قصّها العطار بالتفصيل إذ روى عنه قوله: «صعدت إلى السماء وضربت قبتى بإزاء العرش». ولا شك فى أنها قصة منحولة عليه هى وأقواله التى قد تفهم منها فكرة وحدة الوجود على نحو ما أشار إلى ذلك الذهبى فى كتابه ميزان الاعتدال إذ قال: «وقد نقلوا عنه أشياء يشك فى صحتها عنه، منها:
«سبحانى» و: «ما فى الجبّة إلا الله» و: «ما النار؟ ! لأستندنّ إليها غدا وأقول
¬_________
(¬1) تهذيب ابن عساكر 6/ 78 ونيكلسون ص 29.
(¬2) انظر فى ترجمته طبقات الصوفية للسلمى ص 60 وابن خلكان والرسالة للقشيرى فى مواضع مختلفة وطبقات الشعرانى 1/ 65 وميزان الاعتدال للذهبى 2/ 346 والنجوم الزاهرة 3/ 35 ونيكلسون ص 22 وما بعدها.

الصفحة 110