كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

الناس: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى السجون، فامتنع الناس من المصير إليه (¬1). وكان ذلك إنذارا شديدا للعلويين، فلم يتحرك منهم أحد لعهد المتوكل خشية بطشه، وبالمثل لم يتحرك الخوارج لا فى الموصل ولا فى خراسان.
وتظل الغزوات الصيفية للروم البيزنطيين-ويسمونها الصائفة-قائمة طوال عصر المتوكل، وينزلون فى سنة 239 دمياط وينهبون كثيرا من الأمتعة والأموال، ثم يفرون إلى البحر المتوسط وما وراءه (¬2). ويحاولون الإغارة على سميساط وبعض الثغور فى شمالى الشام والموصل، وينزل بهم على بن يحيى الأرمنى فى سنة 245 هزائم متلاحقة (¬3)، ويدور العام، فينكل بهم فى غزو الصائفة ويعود بأسلاب وغنائم كثيرة، كما ينكل بهم الفارس المغوار عمر بن عبد الله الأقطع وتكثر مغانمه، ويغزوهم الفضل بن قارن فى عشرين مركبا ويفتتح حصن أنطالية (¬4).
وما يزال غزو صقلية مستمرّا فى عهد المتوكل منذ نزول العرب بها فى عصر المأمون حتى تستسلم نهائيّا (¬5). وفى ديوان البحترى غزوة بحرية دمّر فيها أسطول المتوكل بقيادة أحمد بن دينار أسطول الروم لم يعرض لها المؤرخون (¬6).
ويولّى المتوكل سنة 237 محمد بن عبد الله بن طاهر الشرطة وأعمال السواد فى العراق ونيابته فى بغداد، وهى وظيفة تشبه وظيفة المحافظ لعصرنا، وظل يتولاها حتى وفاته سنة 253 وظلت بعده فى بيته طويلا. وفى سنة 241 ثارت البجة فى شمالى السودان على والى مصر وامتنعت من دفع الخراج، واشتبك معها محمد بن عبد الله المعروف بالقمى فى سلسلة من المعارك توالت فيها انتصاراته، وما زال يقاتلهم حتى أنابوا إلى الطاعة وعادوا إلى أداء ما كانوا يؤدونه من الخراج (¬7). وفى سنة 244 غضب المتوكل على بختيشوع المتطبب وصادر أمواله وأمر بنفيه إلى البحرين (¬8).
ويقول المسعودى: «كانت أيام المتوكل أحسن أيام وأنضرها من استقامة الملك وشمول الناس بالأمن والعدل» (¬9).
¬_________
(¬1) طبرى 9/ 185.
(¬2) طبرى 9/ 193 وانظر العرب والروم لفازيلييف ترجمة محمد عبد الهادى شميرة ص 187.
(¬3) طبرى 9/ 218.
(¬4) طبرى 9/ 219.
(¬5) العرب والروم ص 115، 129، 180، 228 وما بعدها.
(¬6) ديوان البحترى (طبع دار المعارف) 2/ 980.
(¬7) طبرى 9/ 203 وما بعدها.
(¬8) طبرى 9/ 211.
(¬9) مروج الذهب 4/ 4.

الصفحة 44