كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

ويخلفه أخوه المقتدر سنة 295 وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وما يوافى شهر ربيع الأول لسنة 296، حتى يجتمع كثيرون من الكتاب والقضاة وذوى الرأى ويجمعوا على خلعه وتولية ابن المعتز، وتتم له البيعة، ولا يكاد يمضى عليه يوم وليلة حتى ينتقض الأمر عليه كما مر بنا فى غير هذا الموضع، فيقتل وتردّ الخلافة على المقتدر، ويصبح لعبة فى أيدى الترك يحركونه كما يشاءون، وتعود الدولة إلى سيرتها القديمة السيئة قبل المعتمد وأخيه الموفق. وكان فى بيت المال يوم تولى الخلافة خمسة عشر مليونا من الدنانير بدّدها كلها، وبدّد معها القناطير المقنطرة من الأموال التى كانت تجبى من أطراف الدولة الواسعة. وتحكمت أمه «شغب» ووصيفاتها فى شئون الدولة، وعاد الأتراك إلى طغيانهم وفسادهم، فكثرت الرشوة وعمّ الظلم والبغى، وكثر الوزراء وكثرت مصادراتهم ومصادرات الكتّاب والتجار، كما كثر الاستيلاء على أموال ذوى اليسار بغير حق، مما ألممنا به فى غير هذا الموضع. وكان هذا الفساد سبا فى كثرة الفتن والثورات، وما توافى سنة 300 للهجرة حتى يثور على الدولة بطبرستان والديلم الأطروش العلوى وهو الحسن بن على الحسنى، لقّب نفسه بالداعى، واستطاع أن يدخل فى الإسلام كثيرين استجابوا له، وبنى لهم المساجد، وكان حصيفا فاضلا أصلح الله الديلم به (¬1). وأغار الروم على اللاذقية بحرا وسبوا منها، خلقا كثيرا، وردّ دميانة قائد الأسطول العربى فى البحر المتوسط على هذا الغزو فى السنة نفسها وهى سنة 298 فغزا بأسطوله قبرص وفتح بها كثيرا من الحصون وحرق وسبى كثيرين (¬2). وفى سنة 304 غزا مؤنس بلاد الروم من ناحية ملطية وفتح حصونا كثيرة (¬3)، وردّ الروم على هذا الغزو فى سنة 314 فدخلوا ملطية بالسيف، وقتلوا وسبوا، وظلوا فيها أياما (¬4). وفى سنة 313 فتحت بلوخستان، وكانت لا تزال وثنية فدخلت فى دين الله.
وتولى الخلافة القاهر بالله سنة 320، وكان مولعا بالشراب والغناء، وكان سفاكا للدماء، شديد البطش بمن يغضب عليه من الأتراك، وقتل منهم نفرا فى مقدمتهم مؤنس الملقب بالمظفر أكبر الحجاب فى عصره وعصر المقتدر، وهابه الناس وخشوا
¬_________
(¬1) طبرى 10/ 149 ومروج الذهب 4/ 219 والنجوم الزاهرة 3/ 185.
(¬2) مروج الذهب 4/ 218.
(¬3) النجوم الزاهرة 3/ 190.
(¬4) النجوم الزاهرة 3/ 215.

الصفحة 49