كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

وكانت هذه القناطير المقنطرة من الدراهم والدنانير تنفق سنويّا، وقلما كان يتبقى منها شئ ويقال إنه لما ولى المعتضد (279 - 289 هـ‍) ادّخر من كل سنة من سى خلافته مليون دينار، بلغ ما ادخره تسعة ملايين (¬1)، وخلفه ابنه المكتفى (289 - 295 هـ‍)، فبلغ بالمدّخر أربعة عشر مليونا (¬2). وجاء بعده المقتدر فلم يقف عن الادخار فحسب، بل أتلف كل المدّخر مع ما صار إليه من أموال الخراج سنويّا ومما كانت تغلّه الضياع السلطانية الواسعة، حتى قالوا إنه بدّد-كما مرّ بنا فى الفصل الماضى-ثمانين مليونا من الدنانير. ويورد الصابى فى كتابيه: الوزراء ورسوم دار الخلافة أثباتا (¬3) بما كان ينفق على حواشى الخليفة وداره فى عصر المعتضد والمقتدر (295 - 320 هـ‍)، وهى تصور عظم هذه النفقات. فقد كان ينفق على القصر والحرم والخدم أكثر من ستين ألف دينار شهريّا وكان ينفق على المطابخ الخاصة والعامة أكثر من عشرة آلاف دينار شهريّا، بل قد يبلغ ذلك أكثر من ثلاثين ألفا، غير ما ينفق على البوابين من البيض والسودان وكان يبلغ ألف دينار، وغير ما ينفق على المماليك والحرس وكانوا يعدّون بالآلاف، وغير ما ينفق على المرسومين لخدمة الدار من القرّاء وأصحاب الأخبار والمنجمين والبوقيبن والمصحكين والطبالين وأصحاب الصيد والملاّحين فى السفن وأصحاب المشاغل والأطباء، ويقول الصابى إن نفقة ذلك كله وما يجرى مجراه مما يلزم الدار كان يبلغ أكثر من مليونين وخمسمائة ألف دينار سنويّا. ويقال إنه كان فى الدار لأيام المكتفى عشرون ألف غلام للحرس وعشرة آلاف خادم من السود والصقالبة، أما فى أيام المقتدر فكان بها أحد عشر ألف خادم منهم تسعة من السود وأربعة من الصقالبة وأربعة آلاف امرأة بين حرة ومملوكة وألوف من الغلمان الحجرية (المقيمين فى الحجر)، وكانت النوبة لحفظة الدار خمسة آلاف غير أربعمائة من الحراس، وكان عدد الفراشين ثمانمائة (¬4). ويروى المؤرخون أن الراضى (322 - 329 هـ‍)، عمل على القصد الشديد فى نفقات دار الخلافة، حتى بلغت مع
¬_________
(¬1) كتاب الوزراء ص 189.
(¬2) كتاب الوزراء ص 190.
(¬3) الوزراء ص 11 وما بعدها ورسوم دار الخلافة ص 21 ويذكر الصابى فى الكتاب الأول أن نفقات الحضرة لعهد المعتضد كانت سبعة آلاف دينار يوميا.
(¬4) رسوم دار الخلافة ص 10 ويقال إن الخدم فى عهد المتوكل كانوا سبعمائة. انظر الديارات للشابنىّ (الطبعة الثانية) ص 160.

الصفحة 54