كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

ولعل فى كثرة هذه القصور ما يشير إلى أن دار الخلافة كانت واسعة، وكان القصر الواحد أحيانا يمتد إلى فرسخ أو يزيد، ويقال إن قصر الثريا كان يمتد إلى ثلاثة فراسخ وإنه كلّف المعتضد-كما قدمنا فى الفصل الماضى-أربعمائة ألف دينار.
وكأنما كانت دار الخلافة وقصورها أشبه بمدينة، ومرّ بنا آنفا عدد من كان بها فى عصر المكتفى والمقتدر من الغلمان والحرس والخدم، وأنهم كانوا يعدّون بالآلاف، فطبيعى أن يكون بها فلاحون وأكرة للعمل ومساجد وحمامات تفوت الحصر حتى قالوا إن الحمامات بلغت بها أحيانا أربعمائة (¬1). وكانت الدار تشتمل على بساتين وجداول متصلة بدجلة وقباب شتى وأروقة وبرك ومياه جارية.
وكان الوزراء يعيشون فى هذا النعيم نفسه لما كانوا يأخذونه من رواتب ضخمة وإقطاعات وما كانوا يختلسونه لأنفسهم من أموال الدولة، ويقال إن الوزير كان يأخذ إقطاعا يدرّ عليه مائة وسبعين ألف دينار، حتى إذا كان عهد المقتدر أجرى عليه راتب قدره خمسة آلاف دينار فى كل شهر، ثم صار سبعة آلاف (¬2).
ولكى نتصور مبلغ ثراء الوزراء يكفى أن نعرف أن المعتمد (256 - 279) استخلص-كما مر بنا فى الفصل الماضى-من وزيره سليمان بن وهب وابنه عبيد الله نحو مليون دينار، ويروى أنه أحصى ما وجد لوزيره صاعد من الرقيق والمتاع والكسوة والسلاح والآلات فى خاصة نفسه دون ما وجد لأخيه عبدون فكان مبلغه ثلثمائة ألف دينار، وكان مبلغ غلته فى سائر ضياعه مليونا وثلثمائة ألف (¬3).
ويذكر المؤرخون عن ابن الفرات وزير المقتدر أنه كان يملك-كما ذكرنا فى غير هذا الموضع-من الفضة والضياع والأثاث ما يزيد على عشرة ملايين من الدنانير.
وكانت لسليمان بن وهب دار كبيرة جعلتها الدولة بعده لكل وزير حتى سنة 320، وكانت تسمى دار المخرّم، وكانت مساحتها تربو على ثلثمائة ألف ذراع (¬4). وكانت دار ابن الفرات مدينة ضخمة حتى كان بها فوجان من الخياطين (¬5)، ويقال إنه
¬_________
(¬1) رسوم دار الخلافة ص 8.
(¬2) كتاب الوزراء ص 282، 351.
(¬3) مروج الذهب 4/ 121.
(¬4) مسكويه 5/ 410.
(¬5) كتاب الوزراء ص 176.

الصفحة 56