كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

لما عين وزيرا زاد ثمن الشمع فى يوم تعيينه لأنه كان من رسمه ألا يخرج أحد من داره وقت العشاء إلا ومعه شمعة، وسقى فى داره فى ذلك اليوم وليلته أربعون ألف رطل ثلجا (¬1).
وكان للوزير بدار الخلافة بناء مفرد يجلس فيه والخواصّ والحواشى بين يديه إلى أن يستدعيه الخليفة، وكان يغدو إليه الكتّاب، فيقفهم على الأعمال المطلوبة منهم ويسلم إلى كل كاتب ما يتعلق بديوانه ويوصيه بما يريد منه، ثم يروحون إليه بما عملوا، وفى أثناء ذلك تعرض عليه الكتب بالنفقات والتسبيبات والحسبانات (¬2)، والكتّاب جلوس بين يديه كلّ فى مكانه ومعه دواته.
وكان الوزير يتخذ مثل الخليفة حرسا على باب داره وقذ يعدون بالعشرات (¬3) وكان مجلسه يغصّ بغلمان مسلّحين، وكان يركب إلى دار الخلافة وبين يديه الحجاب والقواد والغلمان، ويقال إنه كان لحامد بن العباس أحد وزراء المقتدر أربعمائة مملوك يحملون السلاح أمامه، ولكل مملوك نفر من المماليك والغلمان يتبعونه، ويروى بعض الكتاب أنه أحصى الموائد المنصوبة فى داره فوجدها ثلاثين ونيفا ويقال، بل كانت أربعين، وكان يجلس إلى كل مائدة ثلاثون رجلا، وعلى كل واحدة جدى أو جداء وبوارد وحلوى مما لذ وطاب (¬4). وكان الوزير يتولّى إدارة مالية البلاد والقيام على الدخل والخرج وفرض الضرائب. واشتهر غير بيت بتوليه الوزارة مثل بيت بنى وهب وأصلهم من نصارى العراق، وعمل كثير منهم فى الدواوين وبلغوا فيها أعلى المناصب، أما الوزارة فتولاها منهم فى هذا العصر أربعة، كان فى مقدمتهم سليمان بن وهب الذى مرّ بنا ذكره ثم ابنه عبيد الله، ثم ابن عبيد الله القاسم، ويقال إن المكتفى زوّج ابنه أبا أحمد من ابنته، وإنه خلع عليه أربعمائة خلعة، أما الصداق فكان مائة ألف دينار (¬5)، وأنفق على
¬_________
(¬1) كتاب الوزراء ص 63، 195.
(¬2) كتاب الوزراء ص 238.
(¬3) كتاب الوزراء ص 121.
(¬4) كتاب الوزراء ص 112 والنجوم الزاهرة 3/ 208 والهمدانى ص 20، 27.
(¬5) النجوم 3/ 131.

الصفحة 57