كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

الوليمة أكثر من عشرين ألف دينار (¬1).
وعلى نحو ما كان الوزراء والخلفاء يعيشون فى هذا الترف كان يعيش فيه أيضا القواد، وكان بيدهم مصير الخلفاء وكانوا يفدون أنفسهم منهم بكل ما يطلبون من أموال، وكانوا يقطعونهم إقطاعات كثيرة على نحو ما كانوا يقطعون الوزراء، فكانت لهم ضياع واسعة تغلّ عليهم أموالا وفيرة، ولعل خليفة لم يكثر من الإقطاع لهم كما أكثر المقتدر، ويقال إن إقطاعات يانس الموفقى فى عهده كانت تغلّ سنويّا ثلاثين ألف دينار. وبلغ حينئذ من مكانة القواد أن خلع المقتدر على مؤنس لقب المظفر (¬2)، ولما قدم بغداد فى عام 312 للهجرة ركب الوزير ابن الفرات السلام عليه وتهنئته بمقدمه (¬3)، وهو ما لم تجربه عادة وزير من قبله، فقد أصبح القواد يقدّمون على الوزراء. وكان لهم حجّابهم ومماليكهم وحشمهم وخدمهم ونفقاتهم الواسعة على نحو ما كان للوزراء. وبالمثل كان ولاة الأقاليم، وكان حامد ابن العباس الذى مر بنا ذكره قبل توليته الوزارة للمقتدر واليا على فارس والبصرة ومن ولايتهما كوّن ثروته الواسعة. ويروى أن خمارويه صاحب مصر حين زوّج ابنته قطر الندى من المعتضد الخليفة العباسى حمل معها من الجهاز ما لم ير مثله ولا يسمع به، وكان ابن الجصاص الجواهرى البغدادى القائم على الجهاز، ويقال إنه سأله هل بقى بينى وبينك من الحساب شئ؟ فأجابه كسر (باق) طفيف وإذا هو أربعمائة ألف دينار (¬4)، فما بالنا إذن بنفقات الجهاز كله. ويتوقف المؤرخون ليقصوا لنا هدايا الصفار والى فارس للمعتضد وما كان معها من تماثيل وملايين الدراهم وصناديق الثياب (¬5). وكان مما أرسله إسماعيل بن أحمد السامانى والى خراسان إلى المكتفى سنة 292 ثلثمائة بعير عليها صناديق فيها المسك والعنبر والثياب من كل لون (¬6). وكأنما أموال الولايات ودخولها كانت ملكا للولاة ينفقونها فى بذخهم ويهدونها بحسب مشيئاتهم. وتوفى لسنة 301 على بن أحمد الراسبى وكان متوليّا من حدود واسط فى العراق إلى جنديسابور ومن السوس إلى شهرزور، وخلّف مليون دينار ومن آنية الذهب والفضة ما قيمته مائة ألف دينار
¬_________
(¬1) عريب ص 53.
(¬2) النجوم 3/ 203.
(¬3) الوزراء ص 50.
(¬4) النجوم 3/ 62.
(¬5) مروج الذهب 4/ 148.
(¬6) النجوم 3/ 156.

الصفحة 58