كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

ويشدوا فى أوساطهم الزنانير وأن يركبوا السروج بركب الخشب ويجعلوا على مؤخرها كرتين ومن لبس قلنسوة مثل قلنسوة المسلمين يجعل عليها زرّين، وأمر أيضا أن يجعلوا رقعتين على ثياب مماليكهم يخالف لونهما لون الثوب الموضوعين عليه، وتوضع إحدى الرقعتين على الصدر والأخرى خلف الظهر، وكل من الرقعتين بمقدار أربع أصابع ويكون لونها عسليّا، وتلبس المرأة منهم إزارا عسليّا وأمر بهدم بيعهم وكنائسهم المحدثة وألا يستعان بهم فى الدواوين وأعمال الدولة، حتى لا تجرى أحكامهم على المسلمين (¬1).
ويبدو أنه منذ المتوكل أخذت هذه الأوامر الشديدة تخفّف عن النصارى حتى لنجده هو نفسه يجعل النفقة فى سنة 245 على بناء قصره الجعفرى بيد دليل بن يعقوب النصرانى كاتب بغا (¬2). وكثر أهل الذمة بعده فى الدواوين ولعل ذلك ما جعل العامة فى سنة 272 للهجرة تثور عليهم (¬3).
ويعظم أمر أهل الذمة فى أواخر القرن الثالث، إذ يكثر استخدامهم فى الكتابة وفى امور المسلمين فيأمر المقتدر لسنة 296 بألا يستخدم أحد منهم إلا فى الطب والجهبذة وأن يطالبوا بلبس العسلى وتعليق الرقاع المصبوغة على أظهرهم (¬4)، ومع ذلك نرى وزيره ابن الفرات يتخذ منهم أربعة كتّاب كان يدعوهم يوميّا إلى طعام مع خمسة آخرين اختصّ بهم جميعا (¬5).
وواضح من هذا كله ما يدل على أن أهل الذمة لم يكونوا مضطهدين طوال العصر وأن الأوامر التى كانت تصدر أحيانا بالتشديد عليهم لم تكن تنفّذ، وأنهم كانوا يعملون فى مختلف الأعمال حتى الوظائف الديوانية وأعمال الخراج. وكان كثير منهم-وخاصة من النصارى-يعيشون فى نعيم غدق لما يصير إليهم من الطب والصيرفة والأعمال التجارية المربحة.
¬_________
(¬1) طبرى 9/ 171 وانظر 9/ 196.
(¬2) طبرى 9/ 272.
(¬3) طبرى 10/ 9.
(¬4) النجوم الزاهرة 3/ 165.
(¬5) كتاب الوزراء ص 245 وانظر ص 95.

الصفحة 66