كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

بها أربعة وعشرون منزلا بثلاثين حجرا وفصّين يجرى بهما اللعب كما هو معروف فى عصرنا. وكان إبراهيم بن المدبر وزير المعتمد مشغوفا به وكان ماهرا فيه، فكان يطلب بلعبه القمار وكسب الرهان، ويروى صاحب الديارات أنه ربح من شخص ذات يوم عشرين دينارا (¬1).
ولعل ملهى لم يشغل الناس كما شغلهم الغناء، وسنعرض لذلك فى موضع آخر، وكثيرا ما كانوا يتجمعون فى تلك الحقب للفرجة على سباق الخيل، حتى كانت أيامه أشبه بأيام الأعياد. وكذلك كان اللعب بالصوالجة على الخيل، حيث تضرب كرة ويتقاذفها الخيّالة والفرسان، وكانت فى دور الخلفاء ميادين خاصة لتلك اللعبة (¬2)، وكان يلعبها الخلفاء والوزراء والقواد وحواشيهم، ويروى أن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان وزير المعتمد دخل ميدانا فى داره يوم جمعة ليضرب الصوالجة مع بعض غلمانه، فركب فرسه، وثقل، فصدمه غلامه رشيق، فسقط عن فرسه ميتا (¬3). ويصور ابن قتيبة هذه اللعبة والتفوق فيها، فيقول إن الضارب يضرب الكرة بالصولجان خلسة من تحت مخزم الدابّة تلقاء لبّتها، وعليه أن يحسن كفّ الدابّة فى شدة جريانها متوقيا من الصّرعة والصّدمة المفاجئة.
وكانوا يخرجون للصيد والقنص أفواجا، واشتهر غير خليفة بالخروج له ومعه الكلاب والصقور والفهود، وكان من أشد الخلفاء شغفا به المعتضد «وكان كالمعتصم فى أكثر أموره ومآربه وأشبه به من سائر بيته وبنيه من الخلفاء فى محبته لمباشرة الحرب والصيد وما أشبههما، ولم يكن ينفكّ من حرب إلا إلى صيد ولا من صيد إلا إلى حرب، وكان يخرج لصيد الأسد، فيخيمّ عليها حتى لا يبقى منها باقية» (¬4) وكان ابنه المكتفى مشغوفا مثله بالصيد «وكان أكثر ما يدمنه الصيد بالفهد والعقاب، وهما سبعا الضوارى والجوارح، ويباشر ذلك بنفسه ويمتهنها فيه لشدة الشغف به
¬_________
(¬1) كتاب الديارات ص 11.
(¬2) كتاب الوزراء ص 138.
(¬3) النجوم الزاهرة 3/ 38.
(¬4) المصايد والمطارد لكشاجم (طبع بغداد) ص 5.

الصفحة 78