كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

والارتياح إليه» (¬1). ومنذ أبى نواس والشعراء يكثرون من النظم فيه بجميع صوره، ويعرض كشاجم آلاته عرضا مفصلا فى كتابه المصايد والمطارد، كما يعرض روائع ما قيل فيه من أراجيز وأشعار كانوا يسمونها الطّرديات. ومن طريف ملاهيهم المهارشة بين القردة والفيلة (¬2).
وكانت العامة تجد تسليتها المحبّبة عند قصّاص كانوا منتشرين فى طرقات بغداد وكانوا يقصون عليها نوادر الأخبار وغرائبها، ويبدو أنهم كثروا كثرة مفرطة حتى لنرى المعتمد يأمر فى سنة 279 بالنداء فى بغداد ألا يقعد على الطريق ولا فى المسجد الجامع قاصّ ولا صاحب نجوم ولا زاجر (¬3). وكان اللعب بخيال الظل معروفا حينئذ، وكان يعتمد على الهزل والسخرية والإضحاك (¬4). وكان هناك كثير من المضحكين الذين يتفننون فى طرق الهزل، وكان كثير منهم يخلط هزله بحكاية لهجات النازلين ببغداد من الأعراب والخراسانيين والزنوج والفرس والهنود والروم أو يحاكون العميان، وكأنما يجمع الحاكى سمات من يحكيه جميعا، وقد بحاكون بعض الدواب وخاصة الحمير (¬5). ومن أشهر هؤلاء الحكّائين المضحكين لعصر المعتضد ابن المغازلى، وكان يتكلم على الطريق ويقص على الناس أخبارا ونوادر ومضاحك، وكان فى نهاية الحذق لا يستطيع من يراه إلا أن يضحك، وكان لا يدع حكايته لأعرابى أو مكى أو نجدى أو تركى أو نبطى أو زنجى أو سندى إلا حكاها، وكان يخلط ذلك بنوادر تضحك الثكلى، وسمع به المعتضد فأحضره، فما زال يذكر له نوادر وهو متماسك، حتى أخرجه عن طوره ووقاره إلى الضحك، فضرب بيده وفحص الأرض بقدمه، واستلقى من كثرة الضحك وغلبته عليه (¬6).
¬_________
(¬1) المصايد والمطارد ص 7.
(¬2) الحيوان 7/ 62.
(¬3) طبرى 10/ 8، 54 والنجوم الزاهرة 3/ 80.
(¬4) الديارات ص 187 وما بعدها.
(¬5) البيان والتبيين 1/ 69.
(¬6) مروج الذهب 4/ 163.

الصفحة 79