كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

العواطف والمواجد ونور الأمل وظلام اليأس وما قد يتحول إليه من حب مادى كثير الشباك: شباك التضرع والأمل والطلب، وحبّ أفلاطونى نقى كثير الحجب:
حجب الطّهر واليأس والبراءة، مما جعل الشعر يكتظ بمعانى الرقة واللطف المفرطين كما يكتظ بالظرف حتى ليصبح للظرفاء تقاليد خاصة فى الزى والنظر وتناول الطعام والشراب، وقد أفرد لها الوشاء فصلا خاصّا فى كتابه «الموشى» يدل على رقة الحسّ أوسع دلالة. ونستطيع أن ندخل فى فنون الظرف التى أشاعها الجوارى حينئذ إعجابهن بالأزهار وتعلقهن بها وشغف كثيرات منهن بكل زهر وريحان، حتى لتلحق بالقصور حدائق كثيرة ويقام كثير من البساتين. وألهمت الأزهار الشعراء بكثير من الأشعار، حتى ليصبح وصف الطبيعة بابا مهمّا من أبواب الشعر، وليس ذلك فحسب، فقد أحس الشعراء فى الأزهار معانى السلوى فى الحب والوصل ودنوه واتصاله وانقطاعه، إلى غير ذلك من معان لا تحصى، كأن يحس شاعر فى معنى الورد الخجل لاحمراره ويحس آخر انقطاع الوصل لسرعة ذبوله، أو يحس شخص فى البنفسج عودة الوصل ورجوعه. وكانوا يتهادون بالأزهار والرياحين دالين بها على أمثال تلك المعانى، كما كان يحيّى بها بعضهم بعضا، وكثرت التحية عندهم بالتفاح، وكانت الجارية تترك على التفاحة أثر أخذها بفمها، وقد تشققها بالمسك أو بالغالية أو بغيرهما من أنواع الطيب، وقد تكتب عليها بيتا أو بيتين تدل بهما على اللوعة، ويقول ابن المعتز (¬1):
وآثار وصل فى هواك حفظتها … تحبّات ريحان وعضّات تفّاح
وكن يكتبن أبيات الحب الرقيقة على الثياب والأكمام والقلانس والعصابات والطرر والذوائب والمناديل والبسط والوسائد والأسرة (¬2)، ويروى أن عريب كانت تلبس قميصا موشحا بالذهب، كتب فى وشاحه:
وإنى لأهواه مسيئا ومحسنا … وأقضى على قلبى له بالذى يقضى
فحتّى متى روح الرّضا لا ينالنى … وحتى متى أيام سخطك لا تمضى
¬_________
(¬1) الديوان ص 139.
(¬2) انظر الموشى الوشاء والعقد الفريد (طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) 6/ 425 وما بعدها.

الصفحة 90