كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 4)

أمّا أعياد النصارى فكان تقريبا لكل دير عيد يخرج فيه الناس إليه للهو والمجون والهزل، وكانت لهم أعياد عامة، منها عيد الميلاد وكانوا يكثرون فيه من إيقاد الشموع والنيران (¬1)، ومنها عيد الشعانين أو عيد الزيتونة وهو يقع فى يوم الأحد الذى يسبق عيد الفصح من كل سنة، وكان النصارى يتقلدون فيه الصلبان ويتوشحون بالمناديل المنقوشة ويحملون بأيديهم الخوص والزيتون. وكان الدير الأعلى فى الموصل يحتفل بهذا العيد احتفالا كبيرا. ومن أعيادهم عيد الفصح، وعندهم أن عيسى قام فيه بعد الصلب بثلاثة أيام، وكان يحتفل به دير سمالو شرقى بغداد، ولا يبقى أحد من أهل الطرب واللهو إلا قصده للقصف والمجون، وفيه يقول محمد بن عبد الملك الهاشمى (¬2):
ولربّ يوم فى سمالو تمّ لى … فيه السرور وغيّبت أحزانه
فتلاجبت بعقولنا نشواته … وتوقّدت بخدودنا نيرانه
حتى حسبت لنا البساط سفينة … والدّير ترقص حولنا حيطانه
وكان يقام فى أكتوبر عيد للقديسة أشمونى فى قطربّل، وهى قرية فى شمالى بغداد كانت أشبه بحانة الخمارين، وكان الناس يذهبون من بغداد وسامراء إلى هذا العيد عن طريق الدواب أرضا والسفن فى دجلة بحرا، متنافسين فيما يظهرونه هناك من زيهم وزينتهم ومباهين بما يعدّونه لقصفهم، وكانوا يضربون فى شط القرية وديرها وحاناتها وأكنافها الخيم والفساطيط وتعزف عليهم القيان وهم يحتسون كئوس الخمر، وبالمثل كانوا يصنعون فى عيد دير الزندورد بالجانب الشرقى لبغداد، وفيه يقيل جحظة (¬3):
دير تدور به الأقداح مترعة … من كفّ ساق مريض الطّرف وسنان
والعود يتبعه ناى يوافقه … والشّدو يحكمه غصن من البان
ولا شك فى أن كل ما قدمنا أعدّ لانتشار المجون والخلاعة فى سامراء وبغداد،
¬_________
(¬1) ابن الأثير 8/ 222 وأبو الفدا فى عام 323.
(¬2) الديارات ص 14.
(¬3) الديارات ص 338.

الصفحة 96