كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 4)

للسائل أن يسأل عن زيادة (ما) بعد (إذا) في سورة السجدة (¬1) وحذفها من الموضع الاخر.
الجواب أن يقال: أنه إذا قصد توكيد معنى الشرط الذي تضمنته (إذا) لقوة معنى الجزاء، استعملت (ما) بعدها فقوله تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم} شهادة السمع وسائر الجوارح، من المعاني القوية التي لا يقتضيها الشرط الذي هو المجيء، ألا ترى استنكارهم لها حتى قالوا لجلودهم (لم شهدتم علينا) فأجابوا بأن قالوا: {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} وليس كذلك: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} لأن المجيء يقتضي فتح الأبواب .. وكذلك: {حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك} [الزخرف: 38]، أي قال الآدمي لقرينه من الجن اللذين اشتركا في الدنيا في معصية الله، ثم اشتركا في العذاب في الاخرة: ليتني لم أتبعك وكان بعد ما بين المشرقين بيني وبينك.
وهذا أيضا مما يتوقع كونه منهما، ثم يتبرى بعض من بعض، فليس في الجزاء ما يوجب قوة الشرط الذي لا يتوقع، ولا يستفاد إلا به ومنه (¬2).
ثم إن شهادة السمع والأبصار والجلود أمر مستغرب، بخلاف فتح الأبواب ونحوه فأكده لذلك.
وقال تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا مادعوا} [البقرة: 282]، زيدت (ما) مؤكدة على الشهداء حضور الشهادة عند الدعوة إليها، بخلاف قوله تعالى: {إذ تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282]، وقوله: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]، وذلك لأن الشهيد قد يتباطأ، ويتكاسل، أو ينكص، عن الشهادة، لأنه ليست له مصلحة خاصة به أو قد تلحق به ضررا فحتاج إلى التوكيد.
¬__________
(¬1) يعني سورة فصلت
(¬2) درة التنزيل وغرة التأويل 417 - 418

الصفحة 100