كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 4)

ومما يدل على إفادة (سوف) للبعد والتراخي، أنه يؤتى بها للتبعيد، وذلك نحو قوله تعالى: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} [الأعراف: 143]، وهذا في طلب موسى عليه السلام، من ربه أن يريه ذاته: {قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} فجاء بـ (سوف) ولم يأت بالسين الدالة على القرب، للدلالة على بعد هذا الأمر، وأن وقوعه بعيد المنال مستحيل الحصول.
ونحوه قوله تعالى: {ويقول الإنسان أءنا ما مت لسوف أخرج حيا} [مريم: 66]، وهذا للتبعيد، وذلك أن هذا القائل يعتقد أن الحياة بعد الموت أمر بعيد الوقوع، لا يكون فجاء بـ (سوف) الدالة على البعد، ولم يأت بالسين.
وقالوا هما حرفان مؤكدان، إذا دخلا على فعل أفادا أنه واقع لا محالة.
جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} [النساء: 1552]، " معناه إن ايتاءها كائن لا محالة وإن تأخر، فالغرض به توكيد الوعد وتثبيته، لا كونه متأخرًا (¬1).
وجاء فيه في قوله: {أولئك سيرحمهم الله} [التوبة: 71]، " السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد في قولك: (سأنتقم منك) تعني أنك لا تفوتني وأن تباطأ ذلك (¬2).
وجاء فيه في قوله تعالى: {فسيكفيكهم الله} [البقرة: 137]، " ضمان من الله لإظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة، وإن تأخر إلى حين" (¬3).
والذي يبدو أن (سوف) أكثر توكيدًا من السين، لزيادة حروفها عليها، ويدل على ذلك الاستعمال القرآن لها، قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10].
¬__________
(¬1) الكشاف 1/ 434
(¬2) الكشاف 2/ 48
(¬3) الكشاف 1/ 241، وانظر المغنى 1/ 138 - 139، التفسير الكبير للرازي 16/ 131

الصفحة 27