كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الرابعة

على الرفق ما لا يُعطي على العنف " (1)، وقال: "ما كان الرفق في شيء إلاّ زانَه، ولا كان العنف في شئ إلاّ شانَه" (2). وقد قال لموسى وهارون: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)) (3).
فهذا الكلام وأمثالُه الذي فيه من الكفر ما تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخزُ الجبال هدًّا، إذ هو أعظم من قول الذين قالوا: اتخذ الله ولدًا، إذا صَدَرَ من قومٍ يظنّون ويظنّ بهم مشايخ الإسلام أهل التحقيق والعرفان، احتاج المخاطب لهم إلى شيئين: قوة عظيمة، وغضبٍ لله، وسلطان حجهٍ، وقدرة يدفع بها شَتْمَ الله وسَبَّه والكُفْرَ به؛ ورفقٍ ولينٍ يُوصِل به إلى المخاطبين حقيقةَ البيان. والرفقُ في الجهاد باليد واللسان إنما يكون بالنسبة إلى العنف في الجهاد، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ الله كتبَ الإحسان على [كلّ] شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلةَ، وإذا ذَبَحتم فأحسنوا الذِّبحةَ" (4).
فلابدّ من القتل الشرعي، ولكن الإحسان فيه يكون بأن يقتل أحسن القتلات، وكذلك دفعُ الكفرِ والفريةِ على الله والإلحادِ في
__________
(1) أخرجه أحمد (4/ 87) والبخاري في "الأدب المفرد" (472) وأبو داود (4807) عن عبد الله بن مغفل. وفي الباب عن عليّ أخرجه أحمد (1/ 112)، وعن أبي هريرة أخرجه ابن ماجه (3688).
(2) أخرجه مسلم (2594) عن عائشة.
(3) سورة طه: 44.
(4) أخرجه مسلم (1955) عن شداد بن أوس.

الصفحة 390