كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الرابعة

الفاسدة ليس لها حدٌّ. وما أكثر ما يُوجَدُ هذا في كلام هؤلاء الملحدة في أسماء الله وآياتِه المشابهين للإسماعيلية والنصيرية والفرعونية، ولهذا كان العلماء يقولون عنهم: لهم خيال واسعٌ، والخيال والوهم محل الشياطين الذين يتنزلون عليهم بهذا.
فيقال: قولك "تحركتِ الإرادة الأزلية" عبارة فيها إنكار، فلو قال: "توجَّهت أو تعلقت الإرادة" كان أحسن. ومتى كانت هذه الحركة؟ أهي قديمةٌ معه لم تزَلْ أم كان ذلك بعد أن لم يكن؟ فإن كان قديمًا بَطَلَ قولك "فلما تحركت الإرادة الأزلية نزلَ من كَانِه إلى شأنِه"، فإن هذا ظرفٌ لفعلاتٍ يقتضي تحوُّلاً من حالٍ إلى حال، والفعل الذي له ظرف زمانٍ لا يكون إلاّ حادثًا، ولذلك قلتَ: "فعند ذلك قارنَ الألفُ النون فعبر عنها". والقديم ليس له ظرف زمانٍ يتحوَّل فيه، فإنه لم يزل، وإن قلت: إن هذا مُحدَث بَطَلَ قولك بعد هذا بنبوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأزل إلى الأبد.

وأيضًا فقولك "يَعرِض نفسَه على الحقائق الكونية المعدومةِ في نفسها المشهودةِ أعيانُها في علمه" كلام باطل، فإنّ الله لا يَعرِض نفسَه على شيء، ولا يتجلى لكل شيء، وإنما يتجلى لأوليائه يومَ القيامة في الجنة كما جاءت الآثار الصحيحة، ويتجلى أيضًا لعبادِه في عرصاتِ القيامة. وقد قيل: إن محمدًا رآه ليلةَ أُسرِيَ، وأما من سِوى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يراه بعينه في الدنيا، كما ثبت في صحيح

الصفحة 405