كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الرابعة

مسلم (1) عن النواس بن سمعان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذكر الدجَّال قال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربَّه حتى يموت". وكذلك رُوِي في حديث عبادة ومعاوية وغيرهما: "واعلموا أنكم لن تَرَوا ربَّكم حتى تموتوا" (2). ومن قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ربه ليلةَ المعراج فإنه لا يقول: إنه تجلَّى له، فإن التجلي كمال الظهور، ولم يكن الأمر كذلك، بل قد روى مسلم في صحيحه (3) عن عبد الله بن شقيق قال: قلتُ لأبي ذر: لو رأيتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسألتُه، قال: عمَّا كنتَ تسألُه؟ قال: كنتُ أسألُه هل رأيتَ ربَّك؟ فقال: قد سألتُه فقال: "نور أنَّى أراه"! وفي رواية: "رأيتُ نورًا". فهذا من يثبت الرؤيةَ يقول: أراد نفي العين، لأن نوره أعشى بصرَه، ومن ينفيها يحتجُّ به على نفيها، فقد اختلف أهل السنة -واختلفت الرواية عن الإمام أحمد- هل يقال: رآه بعينَي رأسه أو بعينَي قلبه، أو يقال: رآه ولا يُقَيِّد؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عند أحمد.
فأما رؤية القلب -وهو شهود أهل المعرفة- فهذا موجود في الدنيا لغير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلما ولي، وكذلك رؤية المنام، لكنه سبحانَه يُرى في صُوَرٍ بحسب حال الرائي، فإنَّ رؤية المنام تقتضي ذلك. وأما الأحاديث التي فيها: "رأيتُ ربّي في صورة كذا وكذا، فوضعَ
__________
(1) برقم (2937).
(2) أخرجه أبو داود (4320) عن عبادة.
(3) برقم (178).

الصفحة 406