كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 4)

في الجرنالات وغيرهم ولم يتأملوا في أن ما يفعله أصحاب الجنايات المعروفين بالجرأة هو من طبعهم من زمن ولاية الإسلام ومع ذلك فإن كثير ما يصدر منهم يقع على إخوانهم المسلمين. وأيضا فإن الجنايات لا يخلو وقوعها في كل بلد وفي كل أمة والحاصل أن الذي يعتقده المسلمون وخصوصا ذوو الخبرة بأحوال الدول أن الدولة الفرنسوية أشد رفقا وحنانة على رعيتها وأنها تراعي جنس الخليقة الآدمية من غير نظر للمخالفة في الدين أو في الطبيعة وأنها ترغب دائما في تبديل طبيعة أهل الغلاظة وجلبهم إلى التمدن وإتقان الخدمة وحسن العيش والامتزاج والمؤاخاة ولكن لم يتم ذلك المراد لبعضهم عن المسلمين وعدم اطلاعهم على أحوالهم فلو كان الفرنسويون المقيمون بإقليم الجزائر مجتهدين فيما هو غرض للدولة ومساعدون للحكام على صرف الأموال في الأمور التي تصلح حال المسلمين وتخرجهم من الظلمة إلى الضوء وتسدد أحوالهم ولا يبخلون بصرف الأموال في الأسباب التي ينتج منها ما ذكر كاستعمال المدارس ونحو ذلك فلا شك أن قصد الدولة يتم والمرض الذي في المسلمين يزول ويعم الخير والنجاح جميع الناس في أمد قليل فيتخلص مما ذكرنا أن المسلمين إن نالوا خيرا بسبب اجتهاد الحكام وتعبهم في ذلك كما وقع ذلك مرات من بريفي عمالة قسنطينة وخصوصا وقت المسغبة ونزول الجراد فيهم فرحوا واستبشروا وإذا نزل بهم أمر مضر صبروا على مصيبتهم التي تؤديهم إلى الفقر والخصاصة وسوء الحال ولم يجدوا ناصرا (1) كضيق الأرض عليهم وانتزاعها من بعضهم وثقل المغرم عليهم وإجراء الأحكام على من تراخى في دفع المغرم أو عجز بالخطية والحبس على حسب ما يقتضيه قانون لانديجينا وغير ذلك مما يطول شرحه وخصوصا واقعة السكيسطر على التهمة بإيقاد النار من غير حجة قاطعة فينبغي للدولة أن تتنبه لهذه الآمور
__________
(1) أنظر هذه المظالم فهي ما لا نزال نقاسيه إلى اليوم.

الصفحة 26