كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 4)

فقد يجري الإنسان فاراً أمام حيوان يريد افتراسه بمقدار من السرعة لا يستطيعه أبدا في غير تلك الحال فالإنسان الأعزل الذي لا سلاح معه عندما يرى خصمه مسلحا ويشاهد الرصاص منطلقا من سلاحه يحس بخطر محقق داهم فتتحرك فيه غريزة الدفاع عن النفس فينبعث عن غير وعي فينقض على خصمه انقضاض المستميت فربما قضى عليه رغم سلاحه. هذا في الفرد من الناس أما في الجموع منهم فإن المسألة تكون أروع لأن الجماعة لا تعمل عن عاطفة فإذا خافت على أنفسها واندفعت بغريزة الدفاع عنها فإنها تأتي في تلك الحالة بما لا تتصوره العقول.
بهذا التقرير العلمي النفسي نعلل ما كان من الجماعة المسلمة العزلاء من السلاح أمام اليهود المسلحين في اندفاعها وما أتت به من أعمال مروعة.
ولعلمنا بهذه الحقيقة العلمية النفسية كنا حريصين أمام القائم مقام" البريفي" على نزع السلاح من اليهود، وقد أمرت السلطة أعوانها بنزع السلاح من المارة في الأزقة ولكن بعد فوات الوقت.
فالذين قاموا بتلك الأعمال من المسلمين لم يكونوا مندفعين إليها بحقد على اليهود ولا بعامل ديني ولا ببغض جنسي وإنما كانوا مندفعين بغريزة الدفاع عن النفس أمام الخطر المسلح.
نعم كان المسلمون يسمعون دائما سب دينهم ونبيهم من اليهود وخصوصا من النساء وكانوا يلقون منهم سوء معاملة خصوصا من النساء في سوق الخضر وكانوا يشعرون بتسلطهم في دوائر الحكومة وعلى رجال بارزين من الساسة الفرنسيين ويعلمون تغلبهم في الوظائف حتى على الفرنسيس أنفسهم وحسبك أن موزعي البريد ببلدة قسنطينة منهم ثلاثون ونيف ومن الفرنسيس خمسة ومن المسلمين واحد ولكن

الصفحة 47