كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 4)

هذا كله ما كان ليبعثهم على ما انبعثوا إليه لو لم تتحرك فيهم غريزة الدفاع عن النفس أمام الخطر المسلح. بل كان ذلك كله مما أسكن في قلوبهم الخوف والاستسلام للواقع.
قتل من اليهود نيف وعشرون كان منهم خمس نسوة وستة من الصبيان وكان المعتدون لما يشتد الرمي بالرصاص من النوافذ ومن أيدي بعض النساء في بعض الجهات يصعدون للمنازل فيبطشون بمن فيها عن غير تمييز. وكان قتل النساء والصبيان دليلا على أن المعتدين لم يكن اندفاعهم عن عقيدة الإسلام الذي معلوم مشهور عند أهله أنه يحرم قتل النساء والصبيان حتى في الحرب المشروعة وعلى أن تلك الفظاعة هي من آثار الجهل، وتلك الحالة النفسية الخاصة الطارئة، لا من آثار الإسلام.

المصائب على الجانبين:
إذا كانت دكاكين اليهود قد أصيبت لما أصيبت، فإن دكاكين المسلمين التي في حومة اليهود قد أصيبت كذلك، وإذا كانت خسائرها قليلة فذلك لأنها قليلة ولأنها ضعيفة كأصحابها الضعفاء، بخلاف دكاكين اليهود فقد كانت خسائرها كثيرة لأنها هي كثيرة ولأنها قوية كأصحابهما الأقوياء.
وإذا كان القتلى من اليهود نيفا وعشرين ومن المسلمين اثنين فالفضل لمسدسات اليهود التي خانتهم عند الضرب فالمطر الوابل من الرصاص الذي نزل من مسدساتهم ما قصدوا به إلا القتل وإزهاق الأرواح بلا فرق بين من في الأنهج من رجال ونساء وشيوخ وصبيان وجنود، وقد جرحوا بالفعل نحو الأربع من الصبيان، وجرحوا جنديين أو ثلاثة فلو صحت من اليهود في الرمي زنودهم، كما صحت في القتل قصودهم، لكان القتلى من المسلمين- كبارا وصغارا- يعدون

الصفحة 48