كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 4)

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَعْقِلٍ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ فِي مَوْعِظَةٍ لَهُ: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّهُ §لَا أَقْوَى مِنْ خَالِقٍ، وَلَا أَضْعَفَ مِنْ مَخْلُوقٍ، وَلَا أَقْدَرَ مِمَّنْ طُلْبَتُهُ فِي يَدِهِ، وَلَا أَضْعَفَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِ طَالِبِهِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: " إِنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ عَنِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ: أَيْنَ يَكُونُ، وَفِي أَيِّ الْبُيُوتِ يَكُونُ، أَمْ نَبْنِي لَهُ بَيْتًا نَعْبُدُهُ فِيهِ؟ فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِنَّ §قَوْمَكَ سَأَلُوكَ أَيْنَ أَكُونُ فَيَعْبُدُونِي، فَأَيُّ بَيْتٍ يَسَعُنِي وَلَمْ تَسَعْنِي السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَإِذَا أَرَادُوا مَسْكَنِي فَإِنِّي فِي قَلْبِ الْعَفِيفِ الْوَادِعِ الْوَرِعِ "
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رُسْتَهْ، ثنا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ؛ فَقَالَ لَهُ عَطَاءٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ فَشَا عَنْكَ فِي الْقَدَرِ؟ فَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: «مَا تَكَلَّمْتُ فِي الْقَدَرِ بِشَيْءٍ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا». ثُمَّ حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ نَيِّفًا وَتِسْعِينَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْهَا سَبْعُونَ أَوْ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ ظَاهِرَةٌ فِي الْكِتَابَيْنِ، وَمِنْهَا عِشْرُونَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، فَوَجَدْتُ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ: «§مَنْ وَكَّلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَشِيئَةِ فَقَدْ كَفَرَ»
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا هَمَّامُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ عُقْبَةَ، ثنا -[25]- غَوْثُ بْنُ جَابِرٍ، ثنا عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّيَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «§لَا يَشُكَّنَّ ابْنُ آدَمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوقِعُ الْأَرْزَاقَ مُتَفَاضِلَةً وَمُخْتَلِفَةً، فَإِنْ تَقَلَّلَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا مِنْ رِزْقِهِ فَلْيَزِدْهُ رَغْبَةً إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَقُولَنَّ لَوْ أَطْلَعَ اللهُ هَذَا وَشَعَرَ بِهِ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ لَا يُطْلَعُ اللهُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ، أَوَ لَا يَعْتَبِرُ ابْنُ آدَمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَفَاضَلُ فِيهِ النَّاسُ، فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَجْسَامِ، وَالْأَلْوَانِ، وَالْعُقُولِ، وَالْأَحْلَامِ، فَلَا يَكْبُرْ عَلَى ابْنِ آدَمَ أَنْ يُفَضِّلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ وَالْمَعِيشَةِ، وَلَا يَكْبُرْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ، أَوَلَا يَعْلَمُ ابْنُ آدَمَ أَنَّ الَّذِي رَزَقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَوَانٍ مِنْ عُمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُنَّ كَسْبٌ وَلَا حِيلَةٌ أَنَّهُ سَوْفَ يَرْزُقْهُ فِي الزَّمَنِ الرَّابِعِ، أَوَّلُ زَمَنٍ مِنْ أَزْمَانِهِ حِينَ كَانَ فِي رَحِمِ أُمِّهِ يُخْلَقُ فِيهِ وَيُرْزَقُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ كَسَبَهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، لَا يُؤْذِيهِ فِيهِ حَرٌّ وَلَا قَرٌّ، وَلَا شَيْءَ يُهِمُّهُ، ثُمَّ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلَى غَيْرِهَا، وَيُحْدِثُ لَهُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي رِزْقًا مِنْ أُمِّهِ يَكْفِيهِ وَيُغْنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ وَلَا قُوَّةٍ، ثُمَّ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَعْصِمَهُ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ وَيُحَوِّلَهُ فِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ فِي رِزْقٍ يُحْدِثُهُ لَهُ مِنْ كَسْبِ أَبَوَيْهِ، يَجْعَلُ لَهُ الرَّحْمَةَ فِي قُلُوبِهِمَا حَتَّى يُؤْثِرَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِكَسْبِهِمَا، وَيَسْتَعِينَا رُوحَهُ بِمَا يُعْنِيهُمَا، لَا يُعْنِيهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِكَسْبٍ وَلَا حِيلَةٍ يَحْتَالُهَا، حَتَّى يَعْقِلَ وَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّ لَهُ حِيلَةً وَكَسْبًا، فَإِنَّهُ لَنْ يُغْنِيَهُ فِي الزَّمَنِ الرَّابِعِ إِلَّا مَنْ أَغْنَاهُ وَرَزَقَهُ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَلَا مَقَالَ لَهُ وَلَا مَعْذِرَةَ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللهِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ كَثِيرُ الشَّكِّ، يَقْصُرُ بِهِ حِلْمُهُ وَعَقْلُهُ عَنْ عِلْمِ اللهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي أَمْرِهِ، وَلَوْ تَفَكَّرَ حَتَّى يَفْهَمَ، وَيَفْهَمُ حَتَّى يَعْلَمَ، عَلِمَ أَنَّ عَلَامَةَ اللهِ الَّتِي بِهَا يَعْرِفُ خَلْقَهُ الَّذِي خَلَقَ وَرَزَقَهُ لِمَا خَلَقَ»

الصفحة 24