كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 4)

قَالَ: وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: " أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ §لَمَّا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَقْبَلَ يَوْمَ السَّبْتِ فَمَدَحَ نَفْسَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَذَكَرَ عَظَمَتَهُ، وَجَبَرُوتَهُ، وَكِبْرِيَاءَهُ، وَسُلْطَانَهُ، وَقُدْرَتَهُ، وَمُلْكَهُ، وَرُبُوبِيَّتَهُ، فَأَنْصَتَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَطْرَقَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فَقَالَ: أَنا الْمَلِكُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ، وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، أَنَا اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَالْأَفْلَاكِ الْعُلَى، أَنَا اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، ذُو الْمَنِّ، وَالطَّوْلِ، وَالْآلَاءِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، أَنَا اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، مَلَأَتْ كُلَّ شَيْءٍ عَظَمَتِي، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ مُلْكِي، وَأَحَاطَتْ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَتِي، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عِلْمِي، وَوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتِي، وَبَلَغَ كُلَّ شَيْءٍ لُطْفِي، فَأَنَا اللهُ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ فَاعْرِفُوا مَكَانِي، فَلَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا أَنَا، وَخَلْقِي كُلُّهُمْ لَا يَقُومُ وَلَا يَدُومُ إِلَّا بِي، وَيَنْقَلِبُ فِي قَبْضَتِي، وَيَعِيشُ فِي رِزْقِي، وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاؤُهُ وَفَنَاؤُهُ بِيَدِي، فَلَيْسَ لَهُ مَحِيصٌ وَلَا مَلْجَأٌ غَيْرِي، لَوْ تَخَلَّيْتُ عَنْهُ إِذًا لَهَلَكَ كُلُّهُ، وَإِذًا لَكُنْتُ أَنَا عَلَى حَالِي، لَا يَنْقُصُنِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا يَزِيدُنِي، وَلَا يَهُدُّنِي فَقْدُهُ، وَأَنَا مُعْتَزٌّ بِالْعِزِّ كُلِّهِ فِي جَبَرُوتِي، وَمُلْكِي، وَبُرْهَانِي، وَنُورِي، وَسَعَةِ بَطْشِي، وَعُلُوِّ مَكَانِي، وَعَظَمَةِ شَأْنِي، فَلَا شَيْءَ مِثْلِي، وَلَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ خَلَقْتُهُ أَنْ يَعْدِلَ بِي، وَلَا يُنْكِرَنِي، فَكَيْفَ يُنْكِرُنِي مَنْ خَلَقْتُهُ يَوْمَ خَلَقْتُهُ عَلَى مَعْرِفَتِي، أَمْ كَيْفَ يُكَابِرُنِي مَنْ قَهَرَهُ مُلْكِي، فَلَيْسَ لَهُ خَالِقٌ، وَلَا بَاعِثٌ، وَلَا وَارِثٌ غَيْرِي، أَمْ كَيْفَ يُعِزُّنِي مَنْ -[35]- نَاصِيَتُهُ بِيَدِي، أَمْ كَيْفَ يَعْدِلُ بِي مَنْ أُعَمِّرُهُ، وَأُسْقِمُ جِسْمَهُ، وَأُنْقِصُ عَقْلَهُ، وَأَتَوَفَّى نَفْسَهُ، وَأَخْلُقُهُ، وَأُهْرِمُهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنِّي، أَمْ كَيْفَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ عِبَادَتِي عَبْدِي وَابْنُ عِبَادِي وَابْنُ إِمَائِي، لَا يُنْسَبُ إِلَى خَالِقٍ وَلَا وَارِثٍ غَيْرِي، أَمْ كَيْفَ يَعْبُدُ دُونِي مَنْ تَخْلِقُهُ الْأَيَّامُ، وَيُفْنِي أَجَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُمَا شُعْبَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ سُلْطَانِي، فَإِلَيَّ إِلَيَّ يَا أَهْلَ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ لَا إِلَى غَيْرِي، فَإِنِّي كَتَبْتُ الرَّحْمَةَ عَلَى نَفْسِي، وَقَضَيْتُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَنِي، أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا، وَلَا يَكْبُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَتِي، فَإِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، وَخَزَائِنُ الْخَيْرِ كُلُّهَا بِيَدِي، وَلَمْ أَخْلُقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقْتُ لِحَاجَةٍ كَانَتْ مِنِّي إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لِأُبَيِّنَ بِهِ قُدْرَتِي، وَلِيَنْظُرَ النَّاظِرُونَ فِي مُلْكِي وَتَدْبِيرِ حِكْمَتِي، وَلِتَدِينَ خَلَائِقِي كُلُّهَا لِعِزَّتِي، وَتُسَبِّحَ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ بِحَمْدِي، وَلِتَعْنُوَ الْوُجُوهُ كُلُّهَا لِوَجْهِي "

الصفحة 34