كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 4)

الْحِكْمَةِ لَمْ تُشْبِعْهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا، وَإِذَا ذَكَرَ خَطِيئَتَهُ سَتَرَهَا عَنِ النَّاسِ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ الَّذِي هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَغْفِرَهَا، ثُمَّ لَا يَسْتَعِينُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِ بِالْكَذِبِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ مِثْلُ الْأَكَلَةِ فِي الْخَشَبَةِ، يُرَى ظَاهِرُهَا صَحِيحًا وَجَوْفُهَا نَخِرًا، لَا يَزَالُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهَا، يَظُنُّ أَنَّهَا حَامِلَةً مَا عَلَيْهَا، حَتَّى تَنْكَسِرَ عَلَى مَا فِيهَا، وَيَهْلِكَ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ فِي الْحَدِيثِ، لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ يَغْتَرُّ بِهِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ مُعِينُهُ عَلَى حَاجَتِهِ، وَزَائِدٌ لَهُ فِي رَغْبَتِهِ، حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيَتَبَيَّنَ لِذَوِي الْعُقُولِ غُرُورُهُ، وَيَسْتَنْبِطُ الْعُلَمَاءُ مَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِهِ عَنْهُمْ، فَإِذَا اطَّلَعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ، كَذَّبُوا خَبَرَهُ، وَأَبَادُوا شَهَادَتَهُ، وَاتَّهَمُوا صِدْقَهُ، وَاحْتَقَرُوا شَأْنَهُ، وَأَبْغَضُوا مَجْلِسِهِ، وَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ بِسَرَائِرِهِمْ، وَكَتَمُوا حَدِيثَهُمْ، وَصَرَفُوا عَنْهُ أَمَانَتَهُمْ، وَغَيَّبُوا عَنْهُ أَمْرَهُمْ، وَحَذَرُوهُ عَلَى دِينِهِمْ وَمَعِيشَتِهِمْ، وَلَمْ يُحْضِرُوهُ شَيْئًا مِنْ مَحَاضِرِهِمْ، وَلَمْ يَأْمَنُوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ سِرِّهِمْ، وَلَمْ يُحَكِّمُوهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، ثنا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: " §قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَامَتْ إِلَيْهِ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَجَلَسُوا، فَذَهَبَ حَتَّى جَاءَ الطُّورَ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ أَبْيَضَ فِيهِ مِثْلُ رُءُوسِ الْكِبَاشِ كَافُورٌ مَحْفُوفٌ بِالرَّيَاحِينِ، فَلَمَّا أَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَثَبَ فِيهِ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ ثَوْبَهُ ثُمَّ خَرَجَ، وَهَيَّأَ ثِيَابَهُ وَرَجَعَ إِلَى الْمَاءِ فَاسْتَنْقَعَ فِيهِ حَتَّى جَفَّتْ ثِيَابُهُ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ أَخَذَ نَحْوَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ الطُّورِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَحْفِرَانِ قَبْرًا، فَقَامَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَلَا أُعِينُكُمَا؟ قَالَا: بَلَى فَنَزَلَ يَحْفِرُ، فَقَالَ: لِتُحَدِّثَانِي مِثْلُ مَنِ الرَّجُلِ؟ فَقَالَا: عَلَى طُولِكَ وَعَلَى هَيْئَتِكَ، فَاضْطَجَعَ عَلَيْهِ فَالْتَأَمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى قَبْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا الرَّحْمَةُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَصَمَّهَا وَأَبْكَمَهَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْوَلِيدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثنا مَعْرُوفُ بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَشْرَسَ، يَقُولُ: -[38]- سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: «§لَوْلَا أَنِّي كَتَبْتُ النَّتَنَ عَلَى الْمَيِّتِ لَحَبَسَهُ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَوْلَا أَنِّي كَتَبْتُ الْفَسَادَ عَلَى الطَّعَامِ لَخَزَنَتْهُ الْأَغْنِيَاءُ عَنِ الْفُقَرَاءِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَذْهَبْتُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ لَمْ تُعَمَّرِ الدُّنْيَا وَلَمْ أُعْبَدْ»

الصفحة 37