كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 4)

عَلَيْهِمْ كَذِبَهُمْ، وَإِنْ أَدْبَرُوا قَطَعَ دَابِرَهُمْ، وَلَا يَخَافُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَإِنْ أَقْبَلُوا قَبِلَ مِنْهُمْ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْطِفُهُ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ إِلَّا التَّضَرُّعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَرْحَمَهُمْ، وَلَا يَسْتَخْرِجُ أَحَدٌ مِنَ اللهِ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ بِحِيلَةٍ، وَلَا مَكْرٍ، وَلَا مُخَادَعَةٍ، وَلَا أَوْبَةٍ، وَلَا سَخَطٍ، وَلَا مُشَاوَرَةٍ، وَلَكِنْ يَأْتِي بِالْخَيْرِ مِنَ اللهِ رَحْمَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْخَيْرَ مِنْ قِبَلِ رَحْمَتِهِ لَا يَجِدْ بَابًا غَيْرَ ذَلِكَ يَدْخُلُ مِنْهُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُنَالُ الْخَيْرُ مِنْهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَلَا يَعْطِفُ اللهَ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ إِلَّا تَعَبُدُّهُمْ لَهُ وَتَضُرُّعُهُمْ إِلَيْهِ حَتَّى يَرْحَمَهُمْ، فَإِذَا رَحِمَهُمُ اسْتَخْرَجَتْ رَحْمَتُهُ حَاجَتَهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ يُنَالُ الْخَيْرُ مِنَ اللهِ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ سَبِيلٌ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِهِ إِلَّا تَعَبُّدُ الْعِبَادِ لَهُ، وَتَضَرُّعُهُمْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى بَابُ كُلِّ خَيْرٍ يُبْتَغَى مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنَّ مِفْتَاحَ ذَلِكَ الْبَابِ التَّضَرُّعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنْ جَاءَ بِذَلِكَ الْمِفْتَاحِ فُتِحَ لَدَيْهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ ذَلِكَ الْبَابَ بِغَيْرِ مِفْتَاحِهِ لَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَكَيْفَ يُفْتَحُ الْبَابُ مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحِهِ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَزَائِنُ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَبَابُ خَزَائِنِ اللهِ رَحْمَتُهُ، وَمِفْتَاحُ رَحْمَةِ اللهِ التَّضَرُّعُ إِلَيْهِ، فَمَنْ حَفِظَ ذَلِكَ الْمِفْتَاحَ وَجَاءَ بِهِ فُتِحَ لَهُ الْبَابُ وَدَخَلَ الْخَزَائِنَ، وَمَنْ دَخَلَ الْخَزَائِنَ فَلَهُ فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَفِيهَا مَا يَشَاءُونَ، وَمَا يَدَّعُونَ، فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَخَافُونَ، وَلَا يَنْصَبُونَ فِيهِ، وَلَا يَهْرَمُونَ، وَلَا يَفْقَرُونَ فِيهِ، وَلَا يَمُوتُونَ، فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ، وَأَجْرٍ عَظِيمٍ، وَثَوَابٍ كَرِيمٍ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ»
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَخلَدٍ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، ثنا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، ح. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ جَدِّهِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: " §مَا عُبِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ، وَمَا يَتِمُّ عَقْلُ امْرِئٍ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ يَكُونَ الْكِبْرُ مِنْهُ مَأْمُونًا، وَالرُّشْدُ فِيهِ مَأْمُورًا، يَرْضَى مِنَ الدُّنْيَا بِالْقُوتِ، وَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَمَبْذُولٌ، وَالتَّوَاضُعُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ، وَالذُّلُّ فِيهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعِزِّ، لَا يَسْأَمُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ دَهْرَهُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ مِنْ طَالِبِي الْخَيْرِ، يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ -[41]- غَيْرِهِ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْعَاشِرَةُ هِيَ مِلَاكُ أَمْرِهِ، بِهَا يَنَالُ مَجْدَهُ، وَبِهَا يَعْلُو ذِكْرُهُ، وَبِهَا عُلَاهُ فِي الدَّرَجَاتِ فِي الدَّارَيْنِ كِلَيْهِمَا. قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ يَرَى أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ بَيْنَ خَيْرٍ مِنْهُ وَأَفْضَلَ، وَآخَرَ شَرٍّ مِنْهُ وَأَرْذَلَ، فَإِذَا رَأَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَفْضَلُ كَسَرَهُ ذَلِكَ وَتَمَنَّى أَنْ يَلْحَقَهُ، وَإِذَا رَأَى الَّذِي هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَأَرْذَلُ قَالَ: لَعَلَّ هَذَا يَنْجُو وَأَهْلِكُ، وَلَعَلَّ لِهَذَا بَاطِنًا لَمْ يَظْهَرْ لِي، وَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ، وَيَرَى ظَاهِرَهُ لَعَلَّ ذَلِكَ شَرٌّ لِي. فَهُنَاكَ يَكْمُلُ عَقْلُهُ، وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَكَانَ مِنَ السَّابِقِ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَنَّتِهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى "

الصفحة 40