كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 4)

وَكَانَتِ الْعَجَلَةُ مِنْ شَأْنِي، لَعَجَّلْتُ لِلْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي، وَلَوْ رَآنِي خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ أَسْتَوْهِبُهُمْ مِمَّنِ اعْتَدَوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَحْكُمُ لِمَنْ وَهَبَهُمْ بِالْخُلْدِ الْمُقِيمِ، مَا اتَّهَمُوا فَضْلِي وَكَرَمِي، فَكَيْفَ وَأَنَا الدَّيَّانُ الَّذِي لَا تَحِلُّ مَعْصِيَتِي، وَأَنَا الدَّيَّانُ الَّذِي أُطَاعُ بِرَحْمَتِي، وَلَا حَاجَةَ لِي بِهَوَانِ مَنْ خَافَ مَقَامِي، وَلَوْ رَآنِي عِبَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَيْفَ أَرْفَعُ قُصُورًا تَحَارُ فِيهَا الْأَبْصَارُ فَيَسْأَلُونِي لِمَنْ ذَا؟ فَأَقُولُ: لِمَنْ رَهِبَ مِنِّي، وَلَمْ يَجْمَعْ عَلَى نَفْسِهِ مَعْصِيَتِي وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِي، وَإِنِّي مُكَافِئٌ عَلَى الْمَدْحِ، فَامْدَحُونِي "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو طَالُوتَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُهَاجِرٌ الْأَسَدِيُّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: " مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بِقَرْيَةٍ قَدْ مَاتَ أَهْلُهَا، إِنْسُهَا وَجِنُّهَا، وَهَوَامُّهَا وَأَنْعَامُهَا وَطُيُورُهَا، فَقَامَ صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهَا سَاعَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَاتَ هَؤُلَاءِ بِعَذَابِ اللهِ، وَلَوْ مَاتُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مَاتُوا مُتَفَرِّقِينَ، قَالَ: ثُمَّ نَادَاهُمْ عِيسَى: يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ، قَالَ: فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ: لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللهِ. فَقَالَ: §مَا كَانَتْ جَنَايَتُكُمْ؟ قَالَ: عِبَادَةُ الطَّاغُوتِ، وَحُبُّ الدُّنْيَا. قَالَ: وَمَا كَانَتْ عِبَادَتُكُمُ الطَّاغُوتَ؟ قَالَ: الطَّاعَةُ لِأَهْلِ مَعَاصِي اللهِ. قَالَ: فَمَا كَانَ حُبُّكُمْ لِلدُّنْيَا؟ قَالَ: كَحُبِّ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ، كُنَّا إِذَا أَقْبَلَتْ فَرِحْنَا، وَإِذَا أَدْبَرَتْ حَزِنَّا، مَعَ أَمَلٍ بَعِيدٍ وَإِدْبَارٍ عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَإِقْبَالٍ فِي سَخَطِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ شَأْنُكُمْ؟ قَالَ: بِتْنَا لَيْلَةً فِي عَافِيَةٍ، وَأَصْبَحْنَا فِي هَاوِيَةٍ. قَالَ عِيسَى: وَمَا الْهَاوِيَةُ؟ قَالَ: سِجِّينٌ. قَالَ: وَمَا سِجِّينٌ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ مِثْلُ أَطْبَاقِ الدُّنْيَا كُلِّهَا، دُفِنَتْ أَرْوَاحُنَا فِيهَا. قَالَ: فَمَا بَالُ أَصْحَابِكَ لَا يَتَكَلَّمُونَ؟ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا. قَالَ عِيسَى: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: هُمْ مُلْجَمُونَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. قَالَ: فَكَيْفَ كَلَّمْتَنِي أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِيهِمْ وَلَمْ أَكُنْ عَلَى حَالِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْبَلَاءُ عَمَّنِي مَعَهُمْ، وَأَنَا مُعَلَّقٌ بِشَعْرَةٍ فِي الْهَاوِيَةِ

الصفحة 61