كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 4)

قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَأَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ §الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يُكْنَى أَبَا عُمَارَةَ قَالُوا: وَكَانَ عَازِبٌ قَدْ أَسْلَمَ أَيْضًا، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ. وَكَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ الْبَرَاءُ وَعُبَيْدٌ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ مُبَايِعَةٌ , وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا حَبِيبَةُ بِنْتُ أَبِي حَبِيبَةَ بْنِ الْحُبَابِ، وَيُقَالُ: بَلْ أُمُّهُمْ أُمُّ خَالِدٍ بِنْتِ ثَابِتٍ، وَلَمْ نَسْمَعْ لِعَازِبٍ بِذِكْرٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَغَازِي. وَقَدْ سَمِعْنَا بِحَدِيثِهِ فِي الرَّحْلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي , فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تَحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجْتُمَا وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ، قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا , وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ , فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ , فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا , فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا , فَنَظَرْتُ إِلَى بَقِيَّةٍ ظِلِّهَا , فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِيهِ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي نُرِيدُ - يَعْنِي الظِّلَّ - فَسَأَلْتُهُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟، قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ , فَسَمَّاهُ لِي , فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: وَهَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَرْتُهُ , فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ , فَقَالَ: هَكَذَا , فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ بِالْأُخْرَى , -[366]- فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ , وَقَدْ رَوَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم مَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ , فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ , فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ أَتَى الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارْتَحَلْنَا , وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا , فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «§لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» ، فَلَمَّا دَنَا فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَنَا قَيْدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَبَكَيْتُ فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ» ؟، قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَيْكَ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ» ، قَالَ: فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا , ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ , فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهُ , فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ سَهْمًا مِنْهَا , فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا , فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ» ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا , فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ» . وَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ وَالْغِلْمَانِ وَالْخَدَمِ صَارِخُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، جَاءَ مُحَمَّدٌ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ , فَنَزَلَ حَيْثُ أَمَرَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]
-[367]- , فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، قَالَ: {وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] قَالَ: وَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ رَجُلٌ , ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى , فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ , فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , وَأَنَّهُ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ , فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى وَجَّهُوَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ , فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم؟، فَقَالَ: هُوَ مَكَانَهُ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَخُو بَنِي فِهْرٍ الْأَعْمَى , فَقُلْنَا لَهُ مَا فَعَلَ مِنْ وَرَائِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ؟ قَالَ: هُمْ أَوْلَى عَلَى أَثَرِي، قَالَ: ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَبِلَالٌ , ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ. قَالَ الْبَرَاءُ: فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ , ثُمَّ خَرَجْنَا نَتَلَقَّى الْعِيرَ , فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ حَذِرُوا

الصفحة 365