كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 4)
الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ أَيَّامًا، وَكَانَ يَأْلَفُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَكَانَ لَهُ تِرْبًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَادَاهُ وَهَجَاهُ وَهَجَا أَصْحَابَهُ، فَمَكَثَ عِشْرِينَ سَنَةً عَدُوًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَلَا تَخَلَّفَ عَنْ مَوْضِعٍ تَسِيرُ فِيهِ قُرَيْشٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا ضُرِبَ الْإِسْلَامُ بُحْرَانَةَ، وَذُكِرَ تَحَرُّكَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْإِسْلَامَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَجِئْتُ إِلَى زَوْجَتِي وَوَلَدِي، فَقُلْتُ: تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ فَقَدْ أَظَلَّ قَدُومُ مُحَمَّدٍ، فَقَالُوا: فَدَانا لَكَ أَنْ تُبْصِرَ أَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ قَدْ تَبِعَتْ مُحَمَّدًا، وَأَنْتَ مُوضَعٌ فِي عَدَاوَتِهِ، وَكُنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِنُصْرَتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لِغَلَامِي مَذْكُورٍ: عَجِّلْ عَلَيَّ بِأَبْعُرَةٍ وَفَرَسِي، ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ، وَقَدْ نَزَلَتْ مُقَدِّمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْأَبْوَاءَ تُرِيدُ مَكَّةَ، فَخِفْتُ أَنْ أُقْبِلَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَدْ نَذَرَ دَمِي، فَتَنَكَّرْتُ وَخَرَجْتُ وَأَخَذْتُ بِيَدِ ابْنِي جَعْفَرٍ، فَمَشَيْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ مِيلٍ فِي الْغَدَاةِ الَّتِي صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِيهَا الْأَبْوَاءَ، فَتَصَدَّيْنَا لَهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَأَعْرَضَ عَنِّي إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَتَحَوَّلْتُ إِلَى نَاحِيَةِ وَجْهِهِ الْأُخْرَى، فَأَعْرَضَ عَنِّي مِرَارًا، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَقُلْتُ: أَنَا مَقْتُولٌ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَيْهِ وَأَتَذَكَّرَ بِرَّهُ وَرَحِمَهُ وَقَرَابَتِي بِهِ، فَتُمَسِّكُ ذَلِكَ مِنِّي، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَفْرَحُ بِإِسْلَامِي، فَأَسْلَمْتُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ عَلَى هَذَا مِنَ الْحَالِ حَتَّى شَهِدْتُ فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ، فَلَمَّا لَقِينَا الْعَدُوَّ بِحُنَيْنٍ اقْتَحَمْتُ عَنْ فَرَسِي، وَبِيَدِي السَّيْفُ صَلْتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنِّي أُرِيدُ الْمَوْتَ دُونَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيَّ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخُوكُ وَابْنُ عَمِّكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، فَارْضَ عَنْهُ. قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا» , ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: «أَخِي» لَعَمْرِي قَبَّلْتُ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ
الصفحة 50