كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 4)

قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ الرَّجُلَ أَعْلَمَهُ، وَنَدَبَ النَّاسَ مَعَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ سَرَوَاتُ النَّاسِ وَخِيَارُهُمْ، وَمَعَهُ عُمَرُ، قَالَ: فَطَعَنَ النَّاسُ فِي تَأْمِيرِ أُسَامَةَ، قَالَ: فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: «إِنَّ نَاسًا §طَعَنُوا فِي تَأْمِيرِي أُسَامَةَ، كَمَا طَعَنُوا فِي تَأْمِيرِي أَبَاهُ، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنْ صَالِحِيكُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا» ، قَالَ: وَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ، أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ» ، قَالَ: فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْجُرُفَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، فَقَالَتْ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم ثَقِيلٌ، فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم رَجَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَنِي وَأَنَا عَلَى غَيْرِ حَالِكُمْ هَذِهِ، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكْفُرَ الْعَرَبُ، فَإِنْ كَفَرَتْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يُقَاتِلُ، وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ مَضَيْتُ، فَإِنَّ مَعِي سَرَوَاتِ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ، قَالَ: فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ تَخَطَّفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، قَالَ: فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى آبِلٍ، وَاسْتَأْذَنَ لِعُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَذِنَ أُسَامَةُ لِعُمَرَ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَجْزِرَ فِي الْقَوْمِ، قَالَ هِشَامٌ: بِقَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَالْأَوْسَاطِ فِي الْقِتَالِ حَتَّى يُفْزِعَ الْقَوْمَ، قَالَ: فَمَضَى حَتَّى أَغَارَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُعْظِمُوا الْجِرَاحَةَ حَتَّى يُرْهِبُوهُمْ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ سَلِمُوا، وَقَدْ غَنِمُوا، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأَجِئَ أَحَدًا بِالْإِمَارَةِ غَيْرَ أُسَامَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -[68]- صلّى الله عليه وسلم قُبِضَ وَهُوَ أَمِيرٌ. قَالَ: فَسَارُوا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الشَّامِ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَتَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا حَتَّى أَغَارُوا، وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ. قَالَ: فَقُدِمَ بِنَعْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى هِرَقْلَ وَإِغَارَةِ أُسَامَةَ فِي نَاحِيَةِ أَرْضِهِ خَبَرًا وَاحِدًا، فَقَالَتِ الرُّومُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ بِمَوْتِ صَاحِبِهِمْ أَنْ أَغَارُوا عَلَى أَرْضَنَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رُئِيَ جَيْشٌ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. وَزَادَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَدْ ثَقُلَ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا يَحْدُثُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُقِيمَ فَأَقِمْ، فَدَوَّمَ أُسَامَةُ بِالْجُرُفِ حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , قَالَ: وَأَمَرَ أَنْ يُعْظَمَ فِيهِمُ الْجِرَاحُ يُجْزَلُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ جَزْلًا، فَكَفَرَتِ الْعَرَبُ

الصفحة 67