كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 4)
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «§سَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسٍ»
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم خَطَّ الْخَنْدَقَ مِنْ أُجُمِ الشَّيْخَيْنِ طَرَفَ بَنِي حَارِثَةَ عَامَ ذُكِرَتِ الْأَحْزَابُ -[83]- خُطَّةً مِنَ الْمَذَادِ، فَقَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارَ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَ: الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: لَا، بَلْ سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «§سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» قَالَ: عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: فَدَخَلْتُ أَنَا، وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَنُعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ، وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَحْتَ أَصْلِ ذُبَابٍ، فَضَرَبْنَا حَتَّى بَلَغَنَا النَّدَى، فَأَخْرَجَ اللَّهُ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مُرْوَةً مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ لِسَلْمَانَ: ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَرَقَى إِلَيْهِ سَلْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ خَرَجَتْ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا وَالْمَعْدِلُ قَرِيبٌ، أَوْ تَأْمُرَنَا فِيْهَا بِأَمْرِكَ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، فَقَالَ: «أَرِنِي مِعْوَلَكَ يَا سَلْمَانُ» فَقَبَضَ مُعْوَلَهُ، ثُمَّ هَبَطَ عَلَيْنَا، فَكُنَّا عَلَى شُقَّةِ الْخَنْدَقِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَتْحًا، فَضَرَبَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا وَبَرِقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم تَكْبِيرَ فَتْحٍ، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، فَبَرِقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَتَّى كَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم تَكْبِيرَ فَتْحٍ، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، فَكَسَرَهَا، وَبَرِقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، فَكَبَّرَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ رَقِيَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي مَقْعَدِ سَلْمَانَ قَالَ: سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: «هَلْ رَأَيْتُمْ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأَمِّنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ، فَخَرَجَ بَرَقٌ كَالْمَوْجِ، فَتُكَبِّرُ، فَنُكَبِّرُ لَا نَرَى ضِيَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: «صَدَقْتُمْ، ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، فَأَضَاءَ لِي مِنْهَا قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ، فَبَرَقَ -[84]- الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مَعَهَا قُصُورُ الْحُمُرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مَعَهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا يَبْلُغُهُمُ النَّصْرُ، فَأَبْشِرُوا» يُرَدِّدُهَا ثَلَاثًا، فَابْتَشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: مَوْعُودٌ صَادِقٌ بَارٌّ، وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ وَالْفُتُوحَ، فَتَرَاءَوُا الْأَحْزَابَ، فَقَالَ اللَّهُ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] ، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
الصفحة 82