كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 4)

[قال الحافظ]: والمنهيّ عنه من علم النجوم هو ما يدّعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيير الأسعار، ونحو ذلك ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان وهذا علم استأثر اللهُ به لا يعلمه أحد غيره؛ فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى من الليل والنهار وكم بقي، فإنه غير داخل في النهي، والله أعلم.

17 - وَعَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْعِيافَةُ (¬1).
¬_________
= الغيب وتعاطي علم قد استأثر الله به لا يعلم الغيب سواه .. وأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة، والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه؛ وذلك أن معرفة رصد الظل ليس بشيءٍ أكثر من أن الظل ما دام ناقصاً فالشمس بعده صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصح دركه من جهة المشاهدة إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروه بما اتخذوا له من الآلات التي يستغني عنها الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنما هي كواكب رصدها أهل الخبرة بها من الأئمة الذين لا تشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها مثل أن شاهدوها بحضرة الكعبة، وشاهدوها على حال الغيبة عنها، وكان إدراكهم الدلالة منها للمعاينة وإدراكنا ذلك لقبولنا غيرهم إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم انتهى ص 310 جـ 3.
كفر من قال مطرنا بنوء كذا
في صحيح مسلم عن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: قال أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". قال النووي: النوء من ناء إذا سقط وغاب، وقيل نهض وطلع وعرف ذلك بثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاثة عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعة، وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منها. وقال الأصمعي: إلى الطالع منها أهـ مختار الإمام مسلم ص 71.
(¬1) زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وهو من عادة العرب كثيراً، وهو كثير في أشعارهم، يقال عاف يعيف عيفاً إذا زجر وحدس وظن، وبنو أسيد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها، قيل عنهم إن قوماً من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم فقالوا ضلت لنا ناقة فلو أرسلتم لنا من يعيف فقالوا لغليم لهم انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها فاقشعر الغلام وبكى فقالوا مالك؟ فقال: كسرت =

الصفحة 38