كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (اسم الجزء: 4)

يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَجُلٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التّصَاوِيرَ (¬1)؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً (¬2)، فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيها (¬3) أَبَداً، فَربَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلاّ أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهذا الشَّجَرِ (¬4) وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.
[ربا الإنسان]: إذا انتفخ غيظاً أو كبراً.

7 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ (¬5).
رواه البخاري ومسلم.
¬_________
(¬1) التماثيل.
(¬2) ذات روح.
(¬3) فهو معذب دائماً مخلد في النار. وهذا في حق الذي يكفر بالتصوير أما في غيره وهو العاصي بفعل ذلك غير مستحل له ولا قاصد أن يعبد ثم فيعذب عذاباً يستحقه ثم يخلص منه، والمراد بالحديث الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع أهـ قسطلاني ص 238 جواهر البخاري.
(¬4) أي رسم الأشجار والأزهار والقصور والأشكال الزخرفية، وهكذا من النفائس التي ليست فيها روح: أي يصح أن يخلق الله فيها الحياة.
(¬5) أي الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله تعالى فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل آل فرعون.
أما من لا يقصد ذلك، فإنه يكون عاصياً بتصويره فقط. قال النووي قال العلماء: تصوير الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره سواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام أهـ قسطلاني، وأورد البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه: أي تصاوير إلا كسره، وغير صورته. وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان: الأكثرون على الكراهة. وقال أبو محمد بالتحريم، فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخلها كما في ظاهر الحمامات ودهاليزها لا يمتنع الدخول، لأن الصورة في الممر ممتهنة، وفي المجلس مكرمة. والحاصل مما سبق كراهة صورة حيوان منقوشة على سقف أو جدار أو وسادة منصوبة أو ستر معلق أو ثوب ملبوس، وأنه يجوز ما على أرض وبساط يداس ومخدة يتكأ عليها ومقطوع الرأس وصورة شجر، ويحرم تصوير حيوان على الحيطان والسقوف والأرض ونسج الثوب، ومن اتخذ هذه الصور عوقب بحرمان دخول ملائكة الرحمة بيته فلا تصلي عليه؛ ولا تستغفر له أهـ قسطلاني.
وفي الفتح: وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصداً أن يضاهي فإنه يصير بذلك القصد كافراً. وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله إلا نقضه. قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أم لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا؛ سواء في الثياب، وفي الحيطان، وفي الفرش والأوراق وغيرها =

الصفحة 43