كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 4)

بِرِيقَةِ بَعْضِنا يُشْفى بِهِ سَقِيمُنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يدل على إنه كان يتفل عند الرقية قال القرطبي فيه دلالة على جواز الرقي من كل الآلام وأن ذلك أمر فاشيًا معلومًا بينهم قال ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبابته بالأرض ووضعها عليه أي على محل الألم من بدنه يدل على استحباب ذلك عند الرقي قال المصنف قالوا المراد بأرضنا جملة الأرض وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها والأصح الأول ولا يخص أيضًا ببزاقه - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ولتلفظ بهذه الكلمات حال المسح قال في المرقاة قال التوربشتي الذي يسبق إلى الفهم من صنيعه ذلك ومن قوله هذا أن تربة أرضنا إشارة إلى قطرة آدم - عليه السلام - وريقة بعضنا إشارة إلى النطفة التي خلق منها الإنسان فكأنه يتضرع بلسان الحال ويعرض بفحوى المقال إنك اخترعت الأصل الأول من طين ثم أبدعت بنيه من ماء مهين فهين عليك أن تشفى من كان هذا شأنه وتمن بالعافية على من استوى في ملكك حياته ومماته وقال القاضي قد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في التصحيح وتبديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ورفع نكاية المضرات ولذا ذكر في تفسير المسافرين إنه ينبغي أن يستصحب المسافر تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائة حتى إذا ورد ماء غير ما اعتاده جعل شيئًا منه في سقائه وشرب الماء منها ليأمن من تغير مزاجه ثم إن الرقي والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها اهـ. قال الطيبي تربة أرضنا خبر مبتدأ محذوف أي هذه والباقي بريقة متعلق بمحذوف خبر ثانٍ أو حال العامل فيها معنى الإشارة أي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مشيرًا بإصبعه باسم الله هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضنا وإضافة تربة أرضنا وريقة بعضنا تدل على الاختصاص وإن تلك التربة والريقة كل واحدة منهما تختص بمكان شريف بل بذي نفس شريفة قدسية طاهرة عن الأوصار لفعله - صلى الله عليه وسلم - اهـ، والأظهر كما سبق شمول ذلك لكل أرض ولكل ريق كما سبق بيانه بالتحقيق. قوله: (يُشْفى سَقيمُنا) قال الحافظ العسقلاني ضبط بضم أوله على البناء للمجهول وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية ثم الجملة خبرية مبنى دعائية معنى.

الصفحة 56