كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 4)

لا شِفَاءَ إلا شفَاؤكَ شفَاءً لا يُغَادِرُ سَقمًا".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم يقل وأنت الممرض أدبًا كما قيل في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يشَفِين) [الشعراء: 80] ولما لم يفهم كل أحد هذا المعنى صرح الصديق بهذا المعنى فقال الذي أمرضني يشفيني وفي رواية للبخاري واشف وفي أخرى اشفه وأنت الشافي قال الحافظ العسقلاني كذا لأكثر الرواة بالواو ورواه بعضهم بحذفها قلت وقد بين الحافظ في أماليه على الأذكار إنه عند الشيخين من طريق سفيان الثوري ثنى سليمان هو الأعمش عن مسلم بن صبيح بالتصغير عن مسروق عن عائشة فذكر الحديث وفيه اشف أنت الشافي من غير واو ثم أخرجه الحافظ من طريق جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى وهو مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة وفي روايته وأنت الشافي بزيادة واو قال الحافظ وأخرجه مسلم اهـ، والضمير في قوله في الرواية السابقة اشفه للعليل أو هي هاء السكت ومن هذا الخبر الصحيح يؤخذ إطلاق الشافي عليه سبحانه لا من كونه لا يوهم نقصًا أو من كون أصله في القرآن واردًا خلافًا لما في المرقاة لأن ذينك الأصلين خلاف المختار عزو من يقول الأسماء توقيفية والله أعلم واستشكل الدعاء للمريض بالشفاء مع إنه كفارة للذنوب وثواب وأجيب بأن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض والصبر عليه والداعي بين حسنتين إما يحصل له مقصوده أو يعوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل من فضل الله. قوله: (لَا شِفَاءَ إلَّا شِفاؤُكَ) هذا مؤكد لقوله أنت الشافي قال الحافظ العسقلاني قوله لا شفاء بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أوله وقوله إلّا شفاؤك بالرفع على إنه بدل من موضع لا
شفاء ووقع في رواية للبخاري لا شافي إلّا أنت وفيه إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي لا ينجع إن لم يصادف تقدير الله فقال الطيبي قوله لا شفاء إلا شفاؤك خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إذا لم يقدر الله الشفاء. قوله: (شفَاءِ لَا يغادِرُ سقمًا) هو تكميل لقوله اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق وقوله لا يغادره بالغين المعجمة أي لا يترك وسقمًا بفتحتين أو بضم فسكون مرضًا والتنكير في سقمًا للتقليل قال الحافظ العسقلاني قوله

الصفحة 58