كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

الحياة الأخرى ويستعد لها، كما عليه أن يتخلى عن الحسد والفخر بالنفس، وأن لا يكلف نفسه ما لا طاقة له به وأن لا يلقي بنفسه إلى الهلاك، ويعمل الصوفي جهده للبحث عن مكان (خلوة) يمارس فيه عبادته ونشاطه الروحي بإتقان وخشوع وسط جو من الحرية والإرادة، أما من لا يفعل ذلك فهو ليس من المتصوفة في شيء بل هو مزيف في نظر الشيخ الموسوم (¬1).
ويمكن الحكم على رأي الشيخ الموسوم بأنه رأي معتدل بالنظر إلى ممارسات البعض من أدعياء التصوف، فمنهم من كان يبالغ في الممارسات الظاهرة كالرقص والتواجد والتضارب، ومنهم من كان يبالغ في الانقطاع والانعزال والتضحية ليس بنفسه فقط ولكن بأخذ غيره من الأتباع بذلك، ومنهم من كان يبالغ في أرقام الأدعية والأوقات، كما سنرى، حتى تصبح الحياة كأنها ما خلقت إلا لكي يقضيها في طقوس يحددها الشيخ للأتباع، ولعل هذا الفريق هو أقرب إلى الدراويش منه إلى المتصوفة، وربما هو أقرب في ذلك إلى المشعوذين، حقا أن هناك أيضا مرابطين يمارسون التعاليم الدينية ويتطهرون ويتقشفون ويفعلون الخير طمعا في حياة أخرى مثالية، وأملا في أن يكونوا أولياء الله، صالحين في نظر الناس بعد موتهم، ولكن هؤلاء رجال صالحون وليسوا متصوفة، كما أنهم ليسوا من رجال الطرق الصوفية المعروفة.
وإضافة إلى المتصوف والدرويش والمرابط والشيخ هناك الشريف، وهذا هو الذي ينتسب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن طريق ابنته فاطمة، ويسمي البعض هؤلاء بأنهم أشراف الأصل، وقد ظهر الأشراف في القرن الماضي ظهورا سياسيا وغير سياسي، وكان بعضهم وراء الثورات، ولكن أيضا كانوا يعلمون الناس الطقوس والممارسات القريبة من التصوف، ويظهرون لهم الكرامات وخوارق العادات، قبل أن يطلبوا منهم القيام بأي عمل آخر، وسنرى أن الجهاد كان أحد وسائلهم، ولكن بعض الأشراف كانوا مسالمين
¬__________
(¬1) روى ذلك عنه لويس رين، نفس المصدر، ص 69 - 70،

الصفحة 10