كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

وذلك يصدق على ترجمة الشيخ محمد بن بلقاسم، إنها ترجمة طويلة ولكن في غير ما كان عليه الشيخ في واقع الأمر، وإذا قارنا ما قاله فيه الشيخ الحفناوي وما قالته فيه المصادر الفرنسية وما جاء في ملاحظات تلاميذه، نجد هناك فروقا كبيرة في تناول هذه الشخصية، ونحن نميل إلى أن الشيخ كان من علماء الوقت، اكتسب حظا واسعا من اللغة العربية والدراسات الدينية بحكم بيئته وتعلمه في زوايا متخصصة في نشر المعارف، واستجلابه أفضل العلماء إلى زاويته (معهده). وإنما عقائد الناس والدعاية الفرنسية جعلت منه رجلا مرابطا وشيخ زاوية يقيم الحضرة ويتقبل الزيارات، لأن هذا الصنف من الناس عندها ليس له وصف آخر ولا مجال عمل آخر غير ذلك، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نطرح جانبا كل ما جاء في كتاب الحفناوي وأمثاله من نسبة الخرافات إلى الشيخ محمد بن بلقاسم.
فهو محمد بن أبي القاسم بن ربيح (أو رجيح) بن محمد بن عبد الرحيم بن سائب بن المنصور، وتذهب بعض الروايات إلى أنه شريف النسب، حسني النجار، معتمدين على قصة استقرار شريفين مغربيين في بوسعادة سنة 900 هـ، أحدهما هو جد الشيخ محمد بن بلقاسم (¬1). ولكن آخرين لا يقرون بأصالة هذه الرواية وينظرون إليها على أنها من التلفيقات، كنسبة الكرامات لغير أهلها، ثم إن قيمة المرء بعرضه وقلبه ولسانه وتقاه، ولد الشيخ ببادية الحامدية، ضاية الحرث جهة جبل تاسطارة، من بلاد أولاد الأقويني، فريق أولاد محمد، حسب رواية الحفناوي، وذلك في رمضان عام 1239، وكان لهذا الميلاد والنشأة في البادية أثره الإيجابي على مستقبل الشيخ، وبعد حفظ القرآن الكريم التحق بزواوة ودرس في زاوية علي
¬__________
(¬1) هذان الشريفان هما: عبد الرحمن بن أيوب، وأحمد بن عبد الرحيم، والأخير هو الذي نزل (الهامل) وأعطاها هذا الاسم وهو جد الشيخ محمد بن بلقاسم، بناء على هذه الرواية، ويقول ديبون وكوبولاني إن الشيخ قد استفاد من سمعة جده، ص 406، أما صاحب (تعريف الخلف) فيذكر أن جده يدعى محمد بن عبد الرحيم وليس (أحمد).

الصفحة 159