كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

الطيار بالبيبان بعض الوقت ثم بزاوية السعيد ابن أبي داود الشهيرة بالعلم، ناحية آقبو، وقد قضى ثماني سنوات هناك متعلما ومعلما، ونال رصيدا واسعا من الدراسة اللغوية والدينية.
ونلاحظ أن وجوده في زواوة عندئذ كان بعيدا عن الفرنسيين لأن تلك الناحية لم تكن قد احتلت بعد، وقد تخرج حوالي سنة 1844، ورجع إلى موطنه، ولا ندري إن كان قد أخذ الطريقة الرحمانية أيضا في زاوية ابن أبي داود، لأن هذه الزاوية اشتهرت بالعلم أكثر من التصوف، ولكن المنطقة كلها كانت خاضعة لتأثيرات الرحمانية على كل حال، وكانت الرحمانية كما عرفنا طريقة مجاهدة عندئذ في زواوة تحت راية الأمير وخليفته أحمد الطيب بن سالم، وبين 1844 و 1859 كان على الشيخ محمد أن يجد له مكانا في ناحيته، وأن يكتشف مستقبله شأن من وصل إلى سنه وعلمه، وكانت ناحية بوسعادة وبسكرة وأولاد جلال وطولقة تعيش على ذكريات حركة الجهاد التي أشرنا إليها قبل أن يحتل الفرنسيون منطقة الزيبان سنة 1843 - 1844، بل إن بقاياها عادت إلى الظهور في ثورة الزعاطشة التي تدخل فيها أيضا أهل بوسعادة (بقيادة محمد بن علي بن شبيرة) وأهل أولاد جلال (بقيادة الشيخ المختار). كما كانت الرحمانية نشيطة على يد الشيخ المختار والشيخ علي بن عثمان بطولقة والشيخ عبد الحفيظ بالخنقة، إنها فترة حرجة بالنسبة لشاب في العشرينات من عمره مثل محمد بن بلقاسم، وكان عليه أن يختار.
لقد اختار إنشاء زاوية للتعليم كأستاذه أحمد بن أبي داود وجيرانه الشيخ المختار والشيخ علي بن عثمان، فهو لم يكن من رجال الجاه الديني مثل ابن علي الشريف الذي عينه الفرنسيون (باشاغا) رغم مقامه وزاويته التي كانت علمية أيضا، وليس من المغامرين الذين سماهم (رين) (بالأشراف المزيفين) الذين يندسون وسط السكان والأعراش ويتحالفون مع بعض السياسيين الطموحين ويعلنون حركة جهاد تهز العدو هزا مؤقتا ثم تنهار، كما فعل بوزيان وبوبغلة ومحمد بن عبد الله، إن (فن الممكن) عندئذ لدى الشيخ

الصفحة 160