كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

نظر معاصريه فليطالع ترجمته في (تعريف الخلف) إذ يقول صاحب هذا الكتاب: (ما وقع نظره على عاص إلا أطاع، ولا على ناس إلا استيقظ، ولا مر بأرض مجدبة إلا أنبتت). فكيف يستقبل أبناء الجزائر اليوم هذا الكلام وكيف يفهمونه؟
ويقول أشيل روبير، بعد أكثر من ربع قرن من الوفاة، إن قبر الشيخ محمد بن بلقاسم يزار يوميا من 155 إلى 200 شخصا، ويحمل بعضهم إليه الزيارات الكريمة، وكان الشيخ قبل موته إذا تجول في الريف يأتيه الناس زرافات ووحدانا يقبلون برنوسه كقديس ويتمسحون بأوراقه ورسائله، معتقدين فيه الشرف، زار الشيخ الجزائر والبليدة والبرج والمدية والسور والبرواقية والمسيلة، وكان يجلس للناس ويقدم إليهم النصائح، ويأتيه من يطلب البرء من المرض ومن يطلب إنجاب الأطفال، ولا يجلس إلا على حصير وبعض الوسائد، دعاه مرة موظف رسمي إلى وليمة فجاء في الوقت وخلفه بعض الطلبة كالعادة، فكان هؤلاء يكددون عظام الدجاج الذي أكله الشيخ فيجدون في ذلك لذة خاصة، وذات يوم حضر لقاء كانت فيه نسوة فرنسيات، طلب من إحداهن كم لها من الأولاد فقالت إن لها بنات فقط، فطلب كوبا من الحليب فشرب منه رشفة ثم طلب من السيدة أن تشرب منه، مضيفا أن هذه الطريقة لا تتخلف في إنجاب الأولاد، لكن المرأة شربت من جانب آخر من الكوب، وبعد عام حضر الشيخ في مناسبة مشابهة فاستخبر عن المرأة فأجابوه أنها أنجبت بنتا، فقال: إن الله وحده هو المدبر! ومن الكرامات المنسوبة إليه هروب قطاع الطرق عندما أغاروا على قافلة محملة بالمؤونة إلى الزاوية، ومنها توقف قطار البليدة لكي يصلي الشيخ العصر رغم رفض السائق وقف القطار (¬1).
أرأيت كيف ضاعت شخصية الشيخ محمد بن بلقاسم العلمية في
¬__________
(¬1) أشيل روبير، مرجع سابق، ص 262، ص 262، عن علاقة الشيخ محمد بن بلقاسم بناصر الدين ديني وإسلامه على يديه، انظر كلنسي - سميث، مرجع سابق،

الصفحة 166